مرّ هذا العام من عمري ما بين العبث والاعتياد ولكن هناك محطات عزيزة عليّ لم ولن أنساها بعضها كانت في جهد وكدّ وبعضها الآخر في حب و وئام.
بل معظمها في حب ومودة بفضل الله وكرمه، وهذا ما أنوي تدوينه وتذكره بهذا اليوم وهذا العام تحديدًا. لأن هذا الحب هو ما ساعدني وجعلني أواجه ذاتي بمواقف عديدة ،جعلني أتصالح أكثر مع صراعات القلق تصالح ينتهي إما بتجاهل أو بقناعة وإما باستسلام.
أظن أن الأمر كله يعود للوحدة فقد كنت أواجه مخاوفي وحدي ،واليوم صرتُ أشاركها أحدهم أشاركه وكأنني أتحدث مع نفسي.
أصبحت الخفة أمر معتاد لأنني أتكئ على كتفٍ أمين،بكل مرة تعود مخاوفي يجعلني أشعر بقدرتي على تجاوزها بكل يسر وإن فشلت يجعلني أشعر بأن لا شيء يستحق بحياة نهايتها الموت! لصاحبي هذا السحر وبعينيه سخرية ضاحكة تجعل الذي أمامه يؤمن بما يقول .
لديه هالة تجعلني أمضي معه وكأننا شخص واحد،فالجرأة واللامبالاة والزهد والأنَفة تسربت منه إليّ وصرتُ مثله أمضي بخفة وكأن العالم كله خلفنا
بكل مرة يذكرني "الحياة نعيشها مرّة وعلينا خوضها بكل ما تأتي به"،هذا العام مررت بتجارب فقد وكدّ ،كلها جعلتني أدرك أن الزمن جبار وعصيّ وأن الإنسان مسكين وقليل حيلة .ففي الفقد يفضّل رفيقي الحقيقة وتجرع مرارتها على المواساة الزائفة، بنهاية الأمر هذا قضاء الله وقدره ولكن قدرته على قولها بتلك الطريقة الخالية من أية مشاعر وبلحظة الفقد تجعلني أشمئز من بروده وربما أنني أغبطه تلك القدرة. أما في رحلة الكدّ ومحاولتي لإيجاد طريقي وسعيي للمواصلة مابين العبث واليقين، يجعلني أشعر بأني متمكنة وبأن لاشيء مستحيل ،كل ذلك الدعم ليس من محبة وحسب بل إنّه بالفعل يجتهد لأجل أيّ أمر يريده حتى يصل لمراده.
هذا الصاحب الذي لطالما تمنيته وبكل مرة أدرك أنني ارتبطت به أحمدُ الله وأشكره حمدًا كثيرًا على هذا العوض الجميل ،الصاحب الذي يمسكني عن الوقوع رغم كل مخاوفي من الزمن.
قبل أيام وقعت يدي على كاميرا من ضمن أغراضي القديمة وهي تذكار من أختي بمناسبة تخرجي من الجامعة قبل عشرة أعوام. يومها أرهقني البكاء ولم أستطع كبح مشاعري ليومين متتاليين،لقد تغير الجميع وكل شيء، بيتنا نحن ،مشاعرنا، حالنا، علاقاتنا،تغيرت أمي وأبي العزيز بعد مرضه أصبح شخص آخر وإخوتي الصغار كبروا وكل مضى في طريقه ،وتغيرت أنا..مررتُ بالكثير بالمسرات وبالأحزان. تلك السنوات من عمري رغم مرارة الفشل واليأس وقلة الحيلة والتخبط ،ظلّت حتى اليوم وستظل سنوات العمر التي سترافقني حتى الموت،لأنها كانت كالمحيط وأنا أبحرتُ فيها لوحدي.. مضت وما زال الزمن قائم وينتظر متى نرحل ويأتي غيرنا لينتظر رحيلهم.
،أصبحتُ أشعر بطريقة هستيرية بأن حياتي تمضي بسرعة هائلة وبأنني أكبر وكل من حولي كذلك ،فالتغيير يرعبني لأنه يعني أن الزمن ينتصر وبأنه يسرق مني أجمل لحظات العمر دون أن ألحظ ذلك. هنا أتذكر بيسوا في رسالته لأمه عندما عبّر لها عن خوفه من التغيير: "بالنسبة لي التغيير- العبور من حال إلى آخر- موت جزئي؛ شيء ما فينا يموت، وحزن موته و زواله ليس بوسعه سوى أن يلمس روحنا"
نعم تلك اللمسة الموجعة التي ذكرها بيسوا هي ذاتها التي جعلتني أبكي لأيام ، فالخوف ذاته يسكن البشر منذ الأزل .الخوف من الفناء وتلاشي وجودنا وبأننا ننسى في لُجّة الزمن ،ننسى كأننا لم نكن.
هأنا قد بلغت عامي 35 وما زال القلق من الزمن يرافقني ولكني صرتُ أتململ من حالي وأصارع هذا الخوف بالخفة التي علمني إياها رفيقي وحبيبي.
تعليقات
إرسال تعليق