التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ابريل الميلاد: في لُجّة الزمن

مرّ هذا العام من عمري ما بين العبث والاعتياد ولكن هناك محطات عزيزة عليّ لم ولن أنساها بعضها كانت في جهد وكدّ وبعضها الآخر في حب و وئام.
بل معظمها في حب ومودة بفضل الله وكرمه، وهذا ما أنوي تدوينه وتذكره بهذا اليوم وهذا العام تحديدًا. لأن هذا الحب هو ما ساعدني وجعلني أواجه ذاتي بمواقف عديدة ،جعلني أتصالح أكثر مع صراعات القلق تصالح ينتهي إما بتجاهل أو بقناعة وإما باستسلام.

أظن أن الأمر كله يعود للوحدة فقد كنت أواجه مخاوفي وحدي ،واليوم صرتُ أشاركها أحدهم أشاركه وكأنني أتحدث مع نفسي.
أصبحت الخفة أمر معتاد لأنني أتكئ على كتفٍ أمين،بكل مرة تعود مخاوفي يجعلني أشعر بقدرتي على تجاوزها بكل يسر وإن فشلت يجعلني أشعر بأن لا شيء يستحق بحياة نهايتها الموت! لصاحبي هذا السحر وبعينيه سخرية ضاحكة تجعل الذي أمامه يؤمن بما يقول .
لديه هالة تجعلني أمضي معه وكأننا شخص واحد،فالجرأة واللامبالاة والزهد والأنَفة تسربت منه إليّ وصرتُ مثله أمضي بخفة وكأن العالم كله خلفنا
https://drive.google.com/uc?export=view&id=1GT2IqGcTz9E2pLA9N0IIRhiYLU0isOk6

بكل مرة يذكرني "الحياة نعيشها مرّة وعلينا خوضها بكل ما تأتي به"،هذا العام مررت بتجارب فقد وكدّ ،كلها جعلتني أدرك أن الزمن جبار وعصيّ وأن الإنسان مسكين وقليل حيلة .ففي الفقد يفضّل رفيقي الحقيقة وتجرع مرارتها على المواساة الزائفة، بنهاية الأمر هذا قضاء الله وقدره ولكن قدرته على قولها بتلك الطريقة الخالية من أية مشاعر وبلحظة الفقد تجعلني أشمئز من بروده وربما أنني أغبطه تلك القدرة. أما في رحلة الكدّ ومحاولتي لإيجاد طريقي وسعيي للمواصلة مابين العبث واليقين، يجعلني أشعر بأني متمكنة وبأن لاشيء مستحيل ،كل ذلك الدعم ليس من محبة وحسب بل إنّه بالفعل يجتهد لأجل أيّ أمر يريده حتى يصل لمراده.

هذا الصاحب الذي لطالما تمنيته وبكل مرة أدرك أنني ارتبطت به أحمدُ الله وأشكره حمدًا كثيرًا على هذا العوض الجميل ،الصاحب الذي يمسكني عن الوقوع رغم كل مخاوفي من الزمن. 
قبل أيام وقعت يدي على كاميرا من ضمن أغراضي القديمة وهي تذكار من أختي بمناسبة تخرجي من الجامعة قبل عشرة أعوام. يومها أرهقني البكاء ولم أستطع كبح مشاعري ليومين متتاليين،لقد تغير الجميع وكل شيء، بيتنا نحن ،مشاعرنا، حالنا، علاقاتنا،تغيرت أمي وأبي العزيز بعد مرضه أصبح شخص آخر وإخوتي الصغار كبروا وكل مضى في طريقه ،وتغيرت أنا..مررتُ بالكثير بالمسرات وبالأحزان. تلك السنوات من عمري رغم مرارة الفشل واليأس وقلة الحيلة والتخبط ،ظلّت حتى اليوم وستظل سنوات العمر التي سترافقني حتى الموت،لأنها كانت كالمحيط وأنا أبحرتُ فيها لوحدي.. مضت وما زال الزمن قائم وينتظر متى نرحل ويأتي غيرنا لينتظر رحيلهم.

 ،أصبحتُ أشعر بطريقة هستيرية بأن حياتي تمضي بسرعة هائلة وبأنني أكبر وكل من حولي كذلك ،فالتغيير يرعبني لأنه يعني أن الزمن ينتصر وبأنه يسرق مني أجمل لحظات العمر دون أن ألحظ ذلك. هنا أتذكر بيسوا في رسالته لأمه عندما عبّر لها عن خوفه من التغيير:   "بالنسبة لي التغيير- العبور من حال إلى آخر- موت جزئي؛ شيء ما فينا يموت، وحزن موته و زواله ليس بوسعه سوى أن يلمس روحنا"
نعم تلك اللمسة الموجعة التي ذكرها بيسوا هي ذاتها التي جعلتني أبكي لأيام ، فالخوف ذاته يسكن البشر منذ الأزل .الخوف من الفناء وتلاشي وجودنا وبأننا ننسى في لُجّة الزمن ،ننسى كأننا لم نكن.

هأنا قد بلغت عامي 35 وما زال القلق من الزمن يرافقني ولكني صرتُ أتململ من حالي وأصارع هذا الخوف بالخفة التي علمني إياها رفيقي وحبيبي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رفاهية القلق

قد تصبح الحياة عادية ولا شيء فيها يجعلنا نستيقظ بالغد، ما الذي يعزز هذا الشعور بالواقع؟ مرت ثلاثة أشهر على هذا الحال،أقول لنفسي كل يوم هل هذا الشعور عادي، أهو ملل أم اكتفاء أم هو اليأس! في كل مرة أريد إنجاز مهمة بسيطة من جدول العمل أجدني أنهض من على الكرسي وأذهب لأبحث عن أي شيء يجعلني لا أعود للمكتب، على الرغم من إدراكي أنني سبق وعشت مثل هذه المشاعر من قبل و لا سيما في بدايات الخطط طويلة المدى ،إلا أن الأمر هذه المرة مختلف. فقد كان يلازمني شعور ثقيل جدًا ، جلد للذات وخوف من فوات الفرص وتعب التأجيل، كنت أؤنب نفسي كثيرًا ،كان شعورًا مرهقًا بالفعل ولكنه كان يجبرني على البدء بالعمل وإنجاز المهام. هذه المرة لا أجد هذا الشعور بداخلي، أحاول أن أجد شيء ما يجعلني أعود لتلك الحساسية المفرطة اتجاه الزمن وسيلانه،والخوف من الاعتياد على حياة العبث،أحاول ولم أجده. ألاحظ مؤخرًا أنني صرت أشبه الكثير من النساء من حولي، كلما كنت بينهن أتذكر السنوات التي قضيتها من عمري وأنا أمقت حياتهن وهذا النمط الممل والكئيب من العيش،كنت أشعر أنها حياة خالية من حب الذات، حياة مليئة بالحسرة والندم على فوات الفرص.ولكن...

أبريل الميلاد: ولادة جديدة

منذ عام ٢٠٢٠ بكل شهر أبريل اعتدت تدوين ذاكرة سريعة أعود بها للوراء. ذاكرة أقتفي بها أثر تجارب جعلتني أفهم ذاتي وتصوري لما حولي، تجارب عشتها وتجاوزتها منذ الثاني من أبريل السابق وحتى الثاني من أبريل الحالي.  العام الماضي كان عامًا حافلاً اجتماعيًا ومهنيًا، واجهت فيه ما لم أتوقع أنني قادرة على مواجهته، وإن كانت النهايات مغايرة عما بذلته يكفي أنني تعلمت أن أصبح أكثر هدوءًا وأن أرفق بنفسي قبل كل شيء.   عمومًا هذه المرة لا أريد أن أتذكر إلا أمرًا واحدًا فقط، الأمر الأكثر أهميةً وثباتًا في ذاكرتي. حدث في سبتمبر الماضي وها هو اقترب تمامه، أمرٌ كنت أنتظره منذ عامين، انتظرته بين رجاء وخوف. هو موعد لقاء مع حلم يكبر بداخلي، لقائي مع طفلي الأول .أرجو أن تمضي أيامه المتبقية بكل خير وطمأنينة.  ما بين الخوف والفرح:  "الإنجاب" لطالما كنت أخاف هذا الأمر وقد كان سببًا في تجنبي الارتباط لسنوات. أن أصبح أُمّا لأحدهم وأن أجلبه لهذه الحياة ليس بالأمر السهل أبدًا، بكل مرة أفكر بذلك أتذكر مقولة "فرانز كافكا" لا يحضرني النص ولكنه عنى أن التربية أصعب مهمة تواجه الإنسان وقلما ...

ابريل الميلاد: الزمن ينتصر

قبل أن أكتب هذه التدوينة قرأت تدوينة ابريل الماضي،حتى أتذكر مالذي حصل بالأشهر الماضية ،حقيقة لا أدري كيف مرّت هذه السنة . منذ ابريل الماضي وحياتي تمضي بلا أية هوادة . لقد كان عامًا مزدهرًا جدًا بالنسبة لي ،مزدهرًا بالحب والرضا والطمأنينة،بالسكينة والحمدلله وإن كانت تزورني حالات قلق لأمرٍ ما زلتُ أجتهد في نيله ولكني أتلاشاه بأيام العبث والخفة المطلقة . حينما اقترب يوم ميلادي أدركت أن الزمن يمضي ولستُ بقادرة على عقد هدنةٍ معه . كما اعتدت بأعوامي الماضية مرةً قلتُ لنفسي هي محسوبة إلى أجل مسمى أعني الهدنة التي يغتالني فيها الزمن وأصبح بين الناس كائن ضبابي . كنت بذلك الوقت أقضي أيامها بجلد الذات ومراتٍ بالسكينة والرضا التام وبعضها بالعبث واللامبالاة . أمضيها بعزلة غير مرئية قد يصل بي الحال إلى هذيان مضنٍ ولا أطيق حالتي تلك،ولكني بالنهاية أخرج منها بنفسٍ خالصة من القلق والريبة . اليوم أشعر بأنني استسلمتُ لهاجس الزمن الذي رأيته كائنًا حيّ بالما...