التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رفاهية القلق

قد تصبح الحياة عادية ولا شيء فيها يجعلنا نستيقظ بالغد، ما الذي يعزز هذا الشعور بالواقع؟ مرت ثلاثة أشهر على هذا الحال،أقول لنفسي كل يوم هل هذا الشعور عادي، أهو ملل أم اكتفاء أم هو اليأس! في كل مرة أريد إنجاز مهمة بسيطة من جدول العمل أجدني أنهض من على الكرسي وأذهب لأبحث عن أي شيء يجعلني لا أعود للمكتب، على الرغم من إدراكي أنني سبق وعشت مثل هذه المشاعر من قبل و لا سيما في بدايات الخطط طويلة المدى ،إلا أن الأمر هذه المرة مختلف. فقد كان يلازمني شعور ثقيل جدًا ، جلد للذات وخوف من فوات الفرص وتعب التأجيل، كنت أؤنب نفسي كثيرًا ،كان شعورًا مرهقًا بالفعل ولكنه كان يجبرني على البدء بالعمل وإنجاز المهام. هذه المرة لا أجد هذا الشعور بداخلي، أحاول أن أجد شيء ما يجعلني أعود لتلك الحساسية المفرطة اتجاه الزمن وسيلانه،والخوف من الاعتياد على حياة العبث،أحاول ولم أجده. ألاحظ مؤخرًا أنني صرت أشبه الكثير من النساء من حولي، كلما كنت بينهن أتذكر السنوات التي قضيتها من عمري وأنا أمقت حياتهن وهذا النمط الممل والكئيب من العيش،كنت أشعر أنها حياة خالية من حب الذات، حياة مليئة بالحسرة والندم على فوات الفرص.ولكن شعوري كان معاكسًا تمامًا لما أراه بالواقع، فمعظمهن تجد أن حياتها طمأنينة خالصة بعيدًا عن ضغوط العمل ،والالتزامات المنهكة. عندما ناقشت البعض عن هذا الأمر وجدت أنها تفضل هذا العيش على حياة العمل الصاخبة،والتي تشبه الجحيم كما وصفتها، فالعناية 
بأطفالها وواجباتها اتجاه عائلتهاأهم بكثير من هذا الكفاح المضني.  

انتشرت مؤخرًا مقابلة لإحدى سيدات الأعمال أعتقد أنها امرأة 
أمريكية،تقول أنها تحلم بأن تصبح ربة منزل،لأن حياةالعمل شاقة، وهي مجبرة على كسب المال للعيش،كانت ردود النساء متباينة ما بين مؤيد ومعارض ،بعضهم اتهمها بالنفاق والبعض قال أن باستطاعتنا الجمع بين الحياتين ومنهم من قال أن هذه فطرتنا السليمة،ولكن أثار اهتمامي تعليق واحد لأكثر من امرأة عاملة إحداهن طبيبة،جميعهن يتشاركن نفس الأمنية في العيش ببساطة مثل أي ربة منزل . عشت أعوام عديدة وأنا أخاف الارتباط لأنه سيسرق مني حياة اجتهدت في نيلها والتمسك بها، وبعدما ارتبطت أدركت أنني كنت أبالغ بهذا الخوف والنفور منه،لأنني من تجربة أؤمن أن الإرادة والسعي تغلب المستحيل، وعلى الرغم من قلقي جعلني هذا الاعتقاد أتقبل الارتباط وأعيشه. هناك عوامل داعمة جدا لحياة مهنية وزوجية ناجحة،أهمها الشريك،فوجود هذا العامل يجعل الاستمرار بكلا الحياتين أمرًا ناجحًا. شريكي رعاه الله يوفر لي الدعم الذي أحتاجه وأكثر من ذلك،هذا العام أعني ٢٠٢٤ جربت العيش بمهنة وبدونها،والغريب أنني لم أتقبل كلا الخيارين ولا أعلم ما السبب؟ قد يكون أنني لم أجد الانتماء في مجتمع المهنة وربما أن العبث قد تمكن مني. اليوم ومنذ شهرين اخترت تجربة العمل اونلاين، أريد أن أتيقن من مشاعري وما أريد بالضبط،أقول لنفسي نعم الله عليّ كثيرة، ولله الحمد والمنة،فهناك من يحلم بعيش أحد الخيارين، الظروف خلقت لي الطمأنينة للتفكر وإيجاد ما أريد. على الرغم من أني ما زلت أحاول البحث عن سر هذا التبلد الذي ماعدت أخافه وأمقته والذي يرافقني منذ ثلاثة أشهر،إلا أنني أعلم أن بداحلي روح نشطة ومفعمة بالثبات والكفاح وحب الحياة ما استطعت إليها سبيلا. أشعر بأن ما يحدث معي هو أنني بحاجة هذا الهدوء الآن ،وحتى قلقي الطويل من الزمن واحتراقه لن يتغلب على هذا الاحتياج، فقد سرق مني القلق سنوات عمري ولم يكتفي، أعلم أنني سأعيش هذا الشعور مجددًا بالمستقبل، وأرجو أن يمنحني الله الهدوء لتقبله مثلما منحني إياه هذه السنة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أبريل الميلاد: ولادة جديدة

منذ عام ٢٠٢٠ بكل شهر أبريل اعتدت تدوين ذاكرة سريعة أعود بها للوراء. ذاكرة أقتفي بها أثر تجارب جعلتني أفهم ذاتي وتصوري لما حولي، تجارب عشتها وتجاوزتها منذ الثاني من أبريل السابق وحتى الثاني من أبريل الحالي.  العام الماضي كان عامًا حافلاً اجتماعيًا ومهنيًا، واجهت فيه ما لم أتوقع أنني قادرة على مواجهته، وإن كانت النهايات مغايرة عما بذلته يكفي أنني تعلمت أن أصبح أكثر هدوءًا وأن أرفق بنفسي قبل كل شيء.   عمومًا هذه المرة لا أريد أن أتذكر إلا أمرًا واحدًا فقط، الأمر الأكثر أهميةً وثباتًا في ذاكرتي. حدث في سبتمبر الماضي وها هو اقترب تمامه، أمرٌ كنت أنتظره منذ عامين، انتظرته بين رجاء وخوف. هو موعد لقاء مع حلم يكبر بداخلي، لقائي مع طفلي الأول .أرجو أن تمضي أيامه المتبقية بكل خير وطمأنينة.  ما بين الخوف والفرح:  "الإنجاب" لطالما كنت أخاف هذا الأمر وقد كان سببًا في تجنبي الارتباط لسنوات. أن أصبح أُمّا لأحدهم وأن أجلبه لهذه الحياة ليس بالأمر السهل أبدًا، بكل مرة أفكر بذلك أتذكر مقولة "فرانز كافكا" لا يحضرني النص ولكنه عنى أن التربية أصعب مهمة تواجه الإنسان وقلما ...

ابريل الميلاد: الزمن ينتصر

قبل أن أكتب هذه التدوينة قرأت تدوينة ابريل الماضي،حتى أتذكر مالذي حصل بالأشهر الماضية ،حقيقة لا أدري كيف مرّت هذه السنة . منذ ابريل الماضي وحياتي تمضي بلا أية هوادة . لقد كان عامًا مزدهرًا جدًا بالنسبة لي ،مزدهرًا بالحب والرضا والطمأنينة،بالسكينة والحمدلله وإن كانت تزورني حالات قلق لأمرٍ ما زلتُ أجتهد في نيله ولكني أتلاشاه بأيام العبث والخفة المطلقة . حينما اقترب يوم ميلادي أدركت أن الزمن يمضي ولستُ بقادرة على عقد هدنةٍ معه . كما اعتدت بأعوامي الماضية مرةً قلتُ لنفسي هي محسوبة إلى أجل مسمى أعني الهدنة التي يغتالني فيها الزمن وأصبح بين الناس كائن ضبابي . كنت بذلك الوقت أقضي أيامها بجلد الذات ومراتٍ بالسكينة والرضا التام وبعضها بالعبث واللامبالاة . أمضيها بعزلة غير مرئية قد يصل بي الحال إلى هذيان مضنٍ ولا أطيق حالتي تلك،ولكني بالنهاية أخرج منها بنفسٍ خالصة من القلق والريبة . اليوم أشعر بأنني استسلمتُ لهاجس الزمن الذي رأيته كائنًا حيّ بالما...