لقد أثمرت الآلام عزيزي ريلكه وما ظننتها يوما ستأتي.أعيش هذه الأيام بسكينة وخفة،تلك الخفة التي جاهدت في نيلها والتمسك بها.كله بفضل رفيق ارتبطت به مؤخرًا. لقد علمني الخفة بكل موقف واجهناه وبجملة واحدة استطاع أن يعلمني : "الموت هو الحقيقة الوحيدة بالحياة".
بكل موقف أجد عقيدة السخرية لديه تهزم قلقي ببساطة! وأتذكر حينها كيركجارد عندما قال "إنه القلق هو الذي أضلني" وأقول لنفسي ربما هذا هو الأفضل،لا بد أن أمضي على نهج رفيقي.مضت أربعة أشهر ولم يغلبني القلق ولكن ببعض اللحظات يغزوني هاجس الزوال الذي كتب عنه فرويد بأحد مقالاته وبكل مرة يزورني هذا الهاجس أردد ما قاله الأغريقي بندار : "يا نفسي لا تتوقي إلى المطلق بل استنفذي كل حيّز الممكن" وعلى هذا المنوال أواجه القلق الفائض وأمضي.
September 2022
سألتني صديقة كيف استطاع رفيقي فعل كل هذا بزمن قصير وقد أمضيت سنوات في سبيل السيطرة عليه، وأجابت عني بقولها ربما هو الحب. سألت نفسي ذات السؤال ترى هل هو الحب؟ من ناحيته هو كذلك فأنا أراه بعينيه قبل أن ينطق وأراه بمواقفه وبأدق التفاصيل، ألم يقل تولستوي : "أكثر الناس قدرة على الحب الصادق هم الذين يأخذون كل الأشياء الصغيرة على محمل الجد".فمعه لم أشعر حتى اللحظة بساعة كدر أو خوف لم أستطع حتى التفكر بهالة القلق التي تلاحقني، وكأنني تقبلت كل ما يختلج بي وأصبحت كيانًا واحدًا مع الآخر،لم يستطع الزمن الذي لطالما أرّقني أن يتجلى في أسعد اللحظات معلنًا فناءها.بل عشت كما لو أنني سأموت غدًا كما لو أنها آخر لحظاتي،أؤمن أن هذه الخفة تمنحنا معنى للحياة ومنها نعي أن الزوال آت لا محالة. واليوم لحظت أن كل شيء حولي ينساب معي و وفق إرادة إلهية لقيت ما رجوته بمرحلة لم أتوقعها يوما، كله يعتمد على المجازفة حتى تتجاوز خوفك
هذا الشعور نابع من طمأنينة خالصة ،إن كان هذا حب فليكن ولكني أراه مثلما عرّفه ريلكه في قوله "الحب الذي يتجلّى في أن يقوم وحيدان كل بحماية الآخر" فالطمأنينة أصلها ثقة بصاحبك،كلانا لا يشبه الآخر ولكننا نعي ما نحن وما الذي نحتاجه لنستمر.
أحاول أن لا أعطي تلك الكآبة الناتجة من كمّ هذا الشعور ومن خشية فقدانه وأن أتمسك بالخفة قدر استطاعتي- كوني قد اعتدت على الوحدة لذلك أجد هذا الفرط من السكينة أمر غريب عني-وكما أنني وصلت لحالة اعتقدت أن لا نجاة لي منها.
قبل أن ألتقي رفيقي أذكر أنني كنت أردد للمقربون مني من الذي سيحتمل هذا القلق ويلملم كل هذا الشتات ؟
ولله الحمد وجدني من يحتمله ويحمله معي بل وجعلني أتوق لكل حيّز الممكن وأستنفذ ما بي بكل جرأة وبساطة.
عبّر دوستويفسكي عن هذا الشعور بأبهى صورة في الفصل الأخير برواية "الجريمة والعقاب"،تحديدًا في ولادة راسكولنيكوف الأخيرة مع سونيا ،لذلك أجد أن الحب العميق والصامت يملأنا بالكآبة والفرح بذات الوقت.ولا حل لنا إلا بعيشه كيفما جاء بعنفوان وخفة مطلقة.
سأنهي هذا النص هنا لأنني بانتظار قدوم رفيقي الذي أفتقده منذ يومين وأرجو أن أجد ابتسامته منعكسة بصوته وعينيه مثلما اعتدت رؤيتها
تعليقات
إرسال تعليق