Twenty-five Twenty-one 2022
من أحدهم، وما زالت تتردد بذات الأثر بفكري كل يوم. أكثر ما يزعجني ويضيق نفسي من عامة الناس الذين نلتقيهم، ربما مرة واحدة بالحياة كلها نلتقيهم لأسباب معينة. معظمها إجراءات روتينية بمكان عام أو أخرى قانونية مثلما حصل معي هذا اليوم. الموظفة التي قابلتها هذا الصباح كانت مبرمجة على إسكات المراجع حالما يبدي مشكلته، كانت تنظر إليّ كعلبة تحتاج التغليف والتصدير للمحطة التالية أو كمنتج تالف لابد من رميه بسلة المهملات. حتى تنهي عملها وتُخرس أي شيء آخر يعطلها عن الخروج من العمل بأسرع ما يمكن .هكذا جعلتني أشعر تمامًا.
في الأسبوع الماضي جاوبتني موظفة أثناء اتصالي بالخدمات البنكية، كانت طوال المكالمة التي استغرقت عشر دقائق تعتذر عن التأخير بسبب عطل بالنظام، اعتذرت مني أكثر من مرة رغم أنه عطل عام خارج عن إرادتها. ورغم أن الإجراء كان يستدعي استلام العميل رسالة تتضمن رقم السويفت الخاص بالحساب، كانت تنتظر حتى تتأكد من استلامي له. وبعدما انتهينا لم تستطع اغلاق الخط بسبب العطل واعتذرت للمرة الخامسة ، كنت أنتظر حتى أُقيمها وقالت لا بأس واعتذرت للمرة الأخيرة قبل أن أغلق المكالمة.
عادة عندما أُقيّم الخدمات العامة للموظفين، أُقيم على مبدأ واحد فقط. ليس على جودة الخدمة بل على خُلق الموظف. لأنه يجعلني أخرج بمزاج حسن، أيّ كان التأخير من جهته ،وأيّ كانت الظروف التي واجهتها قبل أن ألتقي به. وأيّ كانت حالتي التي جعلتني مُتأخرة عن الموعد. لطالما كُنت ملتزمة بالأنظمة ولكن الظروف قد تعيقك حتى عن مبادئك.
الموظفة التي كانت تتحدث إليّ كغرض لا كإنسان، هي الأخرى لديها ظروف ربما. فقد سمعت سابقًا أول دخولي للمكتب الذي كان فارغًا من الناس سوانا، تسجيلها لرسالة صوتية تقول بنهايته: "تمام مامي، ينتهي دوامي الساعة ٣ وبمرك اجهزي" ورغم أن المكتب الذي كان بجانبها وهو بذاته ما أحتاج إنهاء إجراءاتي لديه، طبعًا بعد أن تعطيني هي إشعار الدخول. كان الآخر فارغًا كذلك من المراجعين. طوال الدقيقتين التي أمضيتها معها أسكتتني بصوتها العالي لذات الجملة التي رددتها أكثر من مرة .المضحك أن الجملة وهي كالتالي:
" أنا وزميلاتي مبرمجات على هذا الرد" كانت تدافع عن زميلتها السابقة والتي نست أن تخبرني بضرورة حجز موعد قبل حضوري. كانت تتحدث وكأنهم آلات لا بشر.
وأيّ إنسان تجده بهذا الزمان معصوم عن الخطأ؟!
لو أنها تحدثت إليّ بلطف كنت غادرتها بأسرع وقت. ولكني كنت أعلم أن عذرها غير مقبول وذلك تمامًا ما قالته موظفة بالاستقبال، وقد أخبرتني بالذهاب لمكتب المدير بعدما شكت بأن هذا المكتب يضايق جميع المراجعين وبدأ الأمر يزعجها. ولكني لم أخذ بهذا الأمر وغادرت بصمت.
طوال فترة جلوسي على الكرسي وتمسكي بهدوئي، كنت أأمل أن تعطيني ٥ ثوانٍ فقط لعلّها تشفع لظرفي وتساعدني. فأنا في مواجهة الزمن الذي يتوجب عليّ أن أسبقه لتغيير حياتي ،حياتي التي تأخرت عنها مثلما قال صديقي ومثلما قال أخي بعد خروجي من المكتب.
لم أكن أنا المتأخرة بل هي الظروف التي سلبتني حياتي، واليوم هي الظروف أعطتني فرصة لأحقق مُرادي.
الظروف قهرتني لسنوات طويلة، و بأثمن لحظات العمر، الظروف هي من فعلت ولستُ أنا.
الظروف التي أنهتني للعبث أتت إليّ بنداء النجاة. ولن أترك هذا النداء يرحل بلا نتيجة.
ربما لو علمت الموظفة بظرف تأخري، الذي كان سببه تغير موعد السفر مع
والدي أثناء علاجه. هل كانت- تلك الآلة مثلما وصفت نفسها- ستستثني حالتي وتضحي بطاقتها التي تحتفظ بها للخروج مساءً؟ ربما ..ففي آخر المطاف جميعنا بشر، وما زلت أؤمن بأننا ضعفاء بلا استثناء. لا أعلم هل هذا طبعها، أم هي المواقف التي سبق أن واجهتها جعلتها تتحدث بهذه الطريقة.
ولكنها أعطتني موقف سأظل أذكره ما حييت، من يدري ربما الظروف تعجزني عن اللحاق بالزمن وأكون بمكانها يومًا ما.
ولكني أؤمن بقول للمصطفى عليه الصلاة والسلام "الدُّعاء سلاح المؤمن"
وسأظل أردد مناجاة دائمة في عقب كل صلاة:
لا تجعل حاجة الناس تحت يدي، ولا تجعل حاجتي تحت يد الناس. واكفني بك يا واسع العطاء.
لم أكن متأخرة بل هي الظروف ..وربما هو الرجاء بحدوث المعجزات الذي أمسكني عن الغرق بالعبث هو الرجاء سلوى المؤمنين.
13 March
12:21 pm
تعليقات
إرسال تعليق