التخطي إلى المحتوى الرئيسي

البحث عن الزمن المفقود(4)-مارسيل بروست

الكتاب الرابعسادوم وعامورة





عنوان الكتاب يتضمن المغزى الذي عناه بروست.وقد بدأه بمقولة "لألفريد دوفينيي": "فللمرأة عامورة وللرجال سادوميبدأ القسم الأولبمشهد تسلل الراوي ومراقبته مصادفة لحركات البارون دو شارلوس في حين كانت رغبته برؤية السيدة دو غيرمانت.بالكتاب السابق كانالراوي يحمل شكوك لأخلاقيات البارون.وبهذا المشهد يقطع الشك باليقين ،حيث ينتهي برؤية حية لحادثة بين جوييان ودو شارلوس استخلصمنها يقينه عن مثلية البارون ورفيقه.


-تاريخ الشذوذ:

من المدينة الملعونة "سادوميسرد بروست تاريخ الشذوذ الجنسي للرجال: "الشذوذ في بطون التاريخ ويغبطهم أن يذكروا بأن سقراط كانواحدًا منهم كما يقول الإسرائيليون" .


الحالة التي سردها بروست هي حالة خاصة لا يعرفها سوى الشاذ نفسه.فقد وصف مشاعر الانجذاب والخيانة فالتناسي فالعودة حتى لمنتجاهل ماضيه،يروي كيف أصبح يقضي على عاداته بممارستها من فترة لأخرى بالخفاء أو التعلق بدور الزوج والأب المثالي.كما يروي الحيل والتأنيب والعنف والتظاهر باللامبالاة التي تتجلى وضوحاً في شخصية دو شارلوس.الشخصية التي يعتقد قارئ العمل أنها تعودلبروست نفسه.لكثرة التقاطعات بحياة بروست معها.كالثقافة الواسعة والنقد اللاذع والانحراف بالعلاقات كمثال علاقة دو شارلوس بموريلالتي تعكس علاقة بروست بسائقه الخاص.


القسم الثاني من الكتاب يقع في أربعة فصول.يقضي فيها الراوي حياة المجتمع الراقي بفرنسا.في ظهور للسارد العليم واضطراب ما بينهوبين الراوي الأول.يظهر عنوان الكتاب في هذا القسم كملامح عابرة عن سحاقية "آلبرتينومراقبة تامة لمثلية البارون دو شارلوس وحضورهلدى "آل فيردورانو "آل كامبرمير".

يخاطب بروست بعض المرات القارئ شخصيًا وبمواقف مختلفة.ومنها يشعر القارئ بأن الراوي يكتب سيرة ذاتية عن مرحلة ما منحياته.باعتقادي أن بروست كان يقضي لياليه بالكتابة فقط وبعزلة تامة،لذلك يكثر الحشو والتكرار بهذا القسم.والقفزات الزمنية بالإضافةلتتبع مواقف شهدها الراوي بالمجتمع الأرستقراطي بباريس،ما بين السخرية والواقعية.تميز بروست كالعادة بتشبيهات بليغة لهذه المواقفيستمتع القارئ فيها برؤية حية لتلك الأمسيات وكأنه من ضمن الحاضرين.


-الذاكرة وتقلبات القلب:

في عودة ثانية لمدينة "بالبيكيقضي الراوي رحلته برفقة والدته،وتحت حكم الذاكرة يتألم لذكرى جدته الراحلة،التي قضى وإياها رحلتهالعلاجية الماضية في بالبيك.في جلد ذاته وندم على جهله بمرضها آنذاك ولإهماله لها.يذكر منها موقف التقاط صورة معها،وبقفزات زمنيةيعود الراوي لهذا الموقف الذي عاشه القارئ كما الراوي بجهل تام عن حالة الجدة بتلك الحادثة التي وردت سابقًا بالكتاب الثاني "في ظلالربيع الفتيات"





وعن العودة بالذاكرة يقول: "مثلما يعود فاقد الذاكرة فيلقى اسمه ومثلما يغيّر مريض شخصيته"


تصرح الخادمة فرانسواز عن تلك الحادثة،وعن إغماء جدته مرتين،وتظاهرها بالصحة وطلبها للتستر عن ذلك حتى لا يدري حفيدها.كله بسبيلالتقاط صورة معه.وحفيدها قابل هذا الموقف ببعض الصد والتأفف.


يقول الراوي في ذكرى هذا الموقف وبعد معرفته بمرض جدته الراحلة: " لقد تألمت طوال النهار،وأنا مقيم أمام صورة جدتي،كانت تعذبني"


وبوصفه للحالة الشعورية،كما اعتاد بوعي الراوي: "فحين نظن أننا نستعيد فحسب آلام شخص عزيز علينا،فإن إشفاقنا يضخمها" "الحزنالذي يراه الإشفاق ويتعذب من جرائه"



-نظير بروست الثاني:

لا يخفى على القارئ أن السارد هو بروست نفسه،هذا المرجح بنفسي من الكتاب الأول للشبه بين حياته الخاصة (حياته بهذا الكتاب ولاسيما في لحظات يخاطب فيها القارئوطفولته تحديدًا.وبطباعه وأسلوب عيشه بالصبا ومرحلة النضج.فبروست كان لا يعمل وعائلته وفرت لهثروة كافية.ويقضي وقته بالأمسيات المختارة بعناية،والرفاق المقربون كذلك.بالإضافة لرغبته المستمرة بالكتابة والنشر واستمراره بهذا الفعلحتى اللحظات الأخيرة قبيل موته.وهذا يظهر بنهاية السباعية.





النظير الثاني بهذا العمل تجسد في شخصية الباروندوشارلوسفي طباعه ونقده اللاذع وفرادته وثقافته الواسعة،وقلة حضورهبالأمسيات.واهتمام بعض شخصيات العمل المهمة لحضوره ومرافقته وحتى للتقرب منه.وأهم هذه الشخصيات كانت الدوقة غيرمانت"أوريانوالتي يلمح الراوي لحبها للبارون.وهو أخو زوجها.(حيث كان النظير الأول أي الراوي يحبها بالكتاب الثالث) .

على الرغم من بعض التلميحات لأخلاق البارون في المجتمع،إلا أن القارئ يعجب بحضوره بالأمسيات لدى "آل فيردورانوغيرهم.فيلحظاستطاعة البارون صد السيدة فيردوران ذات الطباع الغليظة التي لا تخلو من الخبث.وحب السيطرة على العشيرة الصغيرة.وأذية كل منيحاول أن يفككها أو يخرج بأحدهم لأمسية ثانية.وذلك ما فعله البارون.السيطرة المستفزة من الزوجين فيردوران خاصة مع شخصية ضعيفةمثل "سانييتتغيظ القارئ لاستغلالهما ضعفه والهزء المستمر به.وحتى الراوي يضيق منهما.أما هذه الشخصية "سانييتفقد حللهابروست بأسلوب سكيولوجي بارع جدًا ذكرني بدوستويفسكي.


نعود للنظير "دو شارلوسمن المعروف أن بروست كان يميل للرجال دون النساء.وظهر هذا في البارون من أول مشهد له برفقة الراوي الشاببالكتاب الثاني بمدينة "بالبيك".ويزعم بعض قرّاء بروست أن موريل هو سائق بروست الخاص الذي قضى نحبه 1914.وربما كان "هنريروشاوهو مواطن سويسري التقى بروست 1918 وفقًا لشهود عيان كان روشا غير محترم مع بروست وذا طباع نزقة مع الغرباء،وقيل أنهابتز بروست ليعطيه المال من أجل تحقيق حلمه ليصبح فنانًا.ولم يستطع بروست أن يرفض له شيء.وقد غادر للخارج تاركًا بروست خلفه.وهذاالشخص شبيه بموريل وطباعه مع البارون وغيره.




الفصل الثالث من هذا القسم يتحدث عن معاناة دوشالوس وأحزانه من حبه لموريل المنافق،على الرغم من رقة البارون وإخلاصه لموريلالمتناقض ومعرفته بطباعه ،يقول السارد العليم لموقف كان موريل فيه سببًا لمأساة أحدهم : "لا أبتغي مع ذلك أن أخلف لدى القارئ انطباعاًبخبث مطلق انطوت عليه نفس موريل.فقد كان بالأحرى يفيض تناقضات وكان قادرًا في بعض الأيام على إبداء لطف حقيقي"


يتضح هنا علاقة بروست وإعجابه الشديد بمن كان نظيرًا لموريل بالواقع.يخلط مشاعر الراوي بمشاعر البارون، بهذا المشهد تحديدًا تقاطعالنظير الأول والثاني لبروست.


هذا الفصل زاخر بالتشبيهات الرائعة،والسرد الدقيق لحالة المُحب.حب الراوي لألبيرتين وحب دوشارلوس لموريل.وأيضًا لعدة أحوال يعيشهاالإنسان من حوله مع الطبيعة وموسيقى فاغنر وشوبان ومع عامة الناس.


نهاية الكتاب الرابع تنتهي بشكوك وشواهد غامضة عن سحاقية آلبيرتين يُقر فيها الراوي بزواجه منها،على الرغم من اتخاذه قبل ذلك قرارانفصاله عنها!


ويظهر أسباب تناقضاته أكثر في الكتاب الخامس.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رفاهية القلق

قد تصبح الحياة عادية ولا شيء فيها يجعلنا نستيقظ بالغد، ما الذي يعزز هذا الشعور بالواقع؟ مرت ثلاثة أشهر على هذا الحال،أقول لنفسي كل يوم هل هذا الشعور عادي، أهو ملل أم اكتفاء أم هو اليأس! في كل مرة أريد إنجاز مهمة بسيطة من جدول العمل أجدني أنهض من على الكرسي وأذهب لأبحث عن أي شيء يجعلني لا أعود للمكتب، على الرغم من إدراكي أنني سبق وعشت مثل هذه المشاعر من قبل و لا سيما في بدايات الخطط طويلة المدى ،إلا أن الأمر هذه المرة مختلف. فقد كان يلازمني شعور ثقيل جدًا ، جلد للذات وخوف من فوات الفرص وتعب التأجيل، كنت أؤنب نفسي كثيرًا ،كان شعورًا مرهقًا بالفعل ولكنه كان يجبرني على البدء بالعمل وإنجاز المهام. هذه المرة لا أجد هذا الشعور بداخلي، أحاول أن أجد شيء ما يجعلني أعود لتلك الحساسية المفرطة اتجاه الزمن وسيلانه،والخوف من الاعتياد على حياة العبث،أحاول ولم أجده. ألاحظ مؤخرًا أنني صرت أشبه الكثير من النساء من حولي، كلما كنت بينهن أتذكر السنوات التي قضيتها من عمري وأنا أمقت حياتهن وهذا النمط الممل والكئيب من العيش،كنت أشعر أنها حياة خالية من حب الذات، حياة مليئة بالحسرة والندم على فوات الفرص.ولكن...

أبريل الميلاد: ولادة جديدة

منذ عام ٢٠٢٠ بكل شهر أبريل اعتدت تدوين ذاكرة سريعة أعود بها للوراء. ذاكرة أقتفي بها أثر تجارب جعلتني أفهم ذاتي وتصوري لما حولي، تجارب عشتها وتجاوزتها منذ الثاني من أبريل السابق وحتى الثاني من أبريل الحالي.  العام الماضي كان عامًا حافلاً اجتماعيًا ومهنيًا، واجهت فيه ما لم أتوقع أنني قادرة على مواجهته، وإن كانت النهايات مغايرة عما بذلته يكفي أنني تعلمت أن أصبح أكثر هدوءًا وأن أرفق بنفسي قبل كل شيء.   عمومًا هذه المرة لا أريد أن أتذكر إلا أمرًا واحدًا فقط، الأمر الأكثر أهميةً وثباتًا في ذاكرتي. حدث في سبتمبر الماضي وها هو اقترب تمامه، أمرٌ كنت أنتظره منذ عامين، انتظرته بين رجاء وخوف. هو موعد لقاء مع حلم يكبر بداخلي، لقائي مع طفلي الأول .أرجو أن تمضي أيامه المتبقية بكل خير وطمأنينة.  ما بين الخوف والفرح:  "الإنجاب" لطالما كنت أخاف هذا الأمر وقد كان سببًا في تجنبي الارتباط لسنوات. أن أصبح أُمّا لأحدهم وأن أجلبه لهذه الحياة ليس بالأمر السهل أبدًا، بكل مرة أفكر بذلك أتذكر مقولة "فرانز كافكا" لا يحضرني النص ولكنه عنى أن التربية أصعب مهمة تواجه الإنسان وقلما ...

ابريل الميلاد: الزمن ينتصر

قبل أن أكتب هذه التدوينة قرأت تدوينة ابريل الماضي،حتى أتذكر مالذي حصل بالأشهر الماضية ،حقيقة لا أدري كيف مرّت هذه السنة . منذ ابريل الماضي وحياتي تمضي بلا أية هوادة . لقد كان عامًا مزدهرًا جدًا بالنسبة لي ،مزدهرًا بالحب والرضا والطمأنينة،بالسكينة والحمدلله وإن كانت تزورني حالات قلق لأمرٍ ما زلتُ أجتهد في نيله ولكني أتلاشاه بأيام العبث والخفة المطلقة . حينما اقترب يوم ميلادي أدركت أن الزمن يمضي ولستُ بقادرة على عقد هدنةٍ معه . كما اعتدت بأعوامي الماضية مرةً قلتُ لنفسي هي محسوبة إلى أجل مسمى أعني الهدنة التي يغتالني فيها الزمن وأصبح بين الناس كائن ضبابي . كنت بذلك الوقت أقضي أيامها بجلد الذات ومراتٍ بالسكينة والرضا التام وبعضها بالعبث واللامبالاة . أمضيها بعزلة غير مرئية قد يصل بي الحال إلى هذيان مضنٍ ولا أطيق حالتي تلك،ولكني بالنهاية أخرج منها بنفسٍ خالصة من القلق والريبة . اليوم أشعر بأنني استسلمتُ لهاجس الزمن الذي رأيته كائنًا حيّ بالما...