الكتاب الثاني: "في ظلال ربيع الفتيات"
الصّبا،ولادة الحب العذري.غمرة الأحزان وعذوبة ألم المُحب وصمته.الانتظار الهذيان فالنسيان..فالبعث للحياة مرة أخرى.
يسرد الراوي حياة بطلها الزمن.وهوية السارد يظل السؤال المرافق للقارئ حتى النهاية.
القسم الثاني بالكتاب يجسد عنوانه.في ربيع الفتيات وتحت ظل الرغبة لخوض عالم الأنثى،رغبة طفولية عارمة تتعثر ما بين ذاكرة الحاضروالماضي القريب،الماضي ظاهرًا بحالة الراوي مع الحب وتجربة الانفصال.
العاطفة بالقسم الأول تكاد تشابه ما حدث مع سوان!باستثناء فارق العمر بينهما.فالراوي يعاني مع جيلبيرت،كما حدث مع الأول وأوديت.وهي حالة لا تقل عن الأولى جمال وبلاغة سواء بالتشبيهات أو بتدفق السرد لذاكرة المؤلف،مفرداته وجمله الطويلة.
Swann in Love,1984
السرد في محيط عائلة "سوان" وفي بذخ زوجته وعلاقاتها.تأملات دقيقة للغاية،نتيجة الزمن الذي يقضيه الراوي بمعظم أمسياته بمنزلهم..تفاصيل وصلت لفساتين السيدة "سوان" قلائدها وحتى شمسيتها.أسلوبها في التحدث والهالة التي تحيط بمن يتنزه بجانبها.
ببدء الكتاب،وبلقاء الدبلوماسي "دو نوربوا" تتضح الخطوط الأولية لرغبة الراوي بمهنة الأدب التي تعارض رغبة والده بالعمل الدبلوماسي.ومن خلال حواراته مع الماركيز عن الأدب والكتابة يصف بروست الانفعال الناتج من الحماسة للكتابة والخوف المصاحب لها.الشعور الداخلي للمتحدث وملاحظته للمتلقي.
وهذه حقيقة ارتبطت بحياة بروست الشاب.
والد بروست: أخيل أدريان بروست
ابن برجوازي صغير،طبيب وعالم أوبئة،عمل عدة سنوات بأفريقيا أثناء انتشار الكوليرا.حاز وسام الشرف بفرنسا نظيرًا لجهوده العامة فيالطب.
الموسيقى والفنون:
يغلب على القسم الثاني سرد مكمل للكتاب الأول،يتكرر فيه علاقة بروست بالفنون خاصة بالموسيقى كسوناتا "فانتوي"واللوحات وأشهرالرسامين النحاتين والأدباء.مثل بلزاك،راسين،ستندال.ويظهر تأثره بدوستويفسكي تحديدًا في فلسفة عن الجمال الغير مملوك في تناقض مابين اللذة والألم.
يعود ولع بروست بالموسيقى للصلة الروحية للفن التي انبعثت من أمه "جين ويل" ابنة سمسار يهودي ثري .قيل عنه نصف يهودي ربما السببلشدة تعلقه بأمه.وقد تحدث بلسان البعض من شخصياته لبغض علني لليهود.بالإضافة لقضية دريفوس التي اتخذ منها موقفاً من ضمن عدةأدباء كبار وهذه أيضاً ذكرت بالرواية.
سوناتا "فانتوي" ما الذي تعنيه هذه الموسيقى لبروست ومن أين أتته؟!
في 1 يوليو 1907 أقام بروست حفل عشاء ونظم فيه برنامجاً موسيقياً من اختياره وتفضيلاته (عزف للكمان والبيانو فقط)،كما في السوناتاالمذكورة سابقاً.باعتقادي أن الأمر متعلق بشريكه الملحن المعروف "رينالدو هان".
الشخصيات وواقعيتها بحياة بروست:
"دو سان لو" شخصية لشاب وسيم جدًا،وصفه بروست بطريقة مريبة من أول جملة له توقعت أن الصلة بينهما ستتجاوز الصداقة.ولكنه كانعاشق لصديقة مجهولة بالإضافة لكونه خطيب لأخرى.
"لوسيان دادويت" 1878-1946
صديق لبروست مثلي الجنس ،لم يخفي توجهاته المثلية.وقد كانت والدة مارسيل تخاف من غموض علاقتهما ونكاتهم بشأن ذلك.لوسيان شبيهبسان لو صديق الراوي،وكما أنه نجل الكاتب "ألفونس دادويت" وذات الشيء ذكر بالرواية مع "روبير سان لو".
قيل أن لوسيان على علاقة مع "جان كوكتو".
| بروست (جالساً) وروبرت أخوه(يسار) لوسيان (يمين) 1894.
"الخادمة فرانسواز" من الكتاب الأول تظهر خادمة للعمة ليوني،قبل أن تنتقل لخدمة عائلة السارد بعد وفاة العمة..ويعتقد أنها شخصية مأخوذة عن "سيلستي ألبير" 1891-1984.
خادمة لعائلة بروست،ظلت مخلصة لسيدها الصغير لعدة سنوات.
"أوديت سوان" و صالون "جينيفيف هاليفي"
أرملة "جورج بيزيه"من هنا خرجت شخصيات العروض والمسرحيات مثل الممثلة "لويزا دي مورناند" 1884-1963 ذكرت بالرواية باسم"لابيرما" ويعتقد بالأصح أنها الممثلة "سارا بيرنهاردت". كما تعرف على المجاملة "لورا هايمن" 1851-1932.أعتقد منها استلهم شخصية "السيدة فيردوران" .
"رينالدو هان" 1874-1947
مؤلف وناقد موسيقي من أصل فنزويلي،1945 أصبح مدير أوبرا باريس.التقى بروست 1894 بصالون الفنانة مادلين،وظلا على علاقةببعضهما حتى وفاة بروست،ودفن كلاهما بمقبرة "بير لاشيز" بباريس.
حتى الآن لم يظهر قرين "هان" بالرواية .
ولكنه لفتني بأحد أعماله،مقطوعة للبيانو والكمان فقط..ذكرتني بموسيقى "فانتوي" المذكورة بالكتاب الأول والثاني
الحركة الثالثة للمقطوعة:
https://youtu.be/ecccYS8CshAصورة تجمع بروست ورينالدو حوالي 1895.
العناية بالمظهر وحب التأنق:
السبب يعود للبيئة التي عاشها المؤلف،يسود السرد بالعمل حياة الطبقات الوسطى بالمجتمع البرجوازي وعلاقاته ببعض الأرستقراطيين.
حقيقة بروست اليافع ،وحتى وفاته كان شديد الاهتمام بمظهره.
شدة الحساسية للرائحة والطعم والضوء:
بالكتاب الأول ذكر مشهد لكعكة المادلين مع كوب الشاي.بلاغة بروست الأدبية خلدها التاريخ بهذه الميزة "تيار الوعي" و أرشفة الذاكرة.وبهذا المشهد تحديدًا الذي أعتبره أعظم وأرق ما كتب بالعمل،نص يسجل بصمة للمؤلف بالأدب.بهذه الميزة عرف القارئ بروست وسيظل يذكره بها.وهي حاسة حقيقية بطباع المؤلف .يذكر أن بروست بعد عودته من الانتكاسة نتيجة وفاة والدته 1906 -1908طلب تغطية جدران غرفة نومه بلحاء البلوط.
بالرواية تكررت ملاحظاته البديعة للروائح والأصوات .بالربع الأخير أسرف بالسرد المبالغ للأحاسيس كأنه خارج الوعي.ربما أنه كان يكتبتحت تأثير الأرق.
مشهد استحضار الذاكرة لكعكة المادلين والشاي.ظهر بصورة بديعة في مسلسل:
À la recherche du temps perdu,2011
عالم الأنثى والارتباط :
السارد يطمح لعلاقات متعددة وبذات الزمن! يشارك الفتيات الصداقة وينظر للمرأة بعين الماجن وبرغبة اصطياد اللحظة للمتعة لاأكثر.”ألبيرتين”المتقلبة والعصيّة تستطيع استحضار “جيلبيرت” من جهة،واكتشاف طباع جديدة بداخل السارد من جهة أخرى.ولكن الزمنوالعبثية تمضي به.
ختام مراجعة "في ظلال ربيع الفتيات" مع أسماء المدن تكملة لأحلام الراوي بالكتاب الأول،بالقسم الثاني مدينة بالبيك (متخيلة) التي انتقلإليها لرحلة علاجية .ومن هناك ظهرت لوحات طبيعة ارتسمت بخياله بأخرى بالفن.خيال عجيب جدًا.يستشعره القارئ بكل تفاصيله.
تعليقات
إرسال تعليق