التخطي إلى المحتوى الرئيسي

يوميات الكونتيسة صوفيا تولستايا





"ومن الحب ما قتل"
أتؤمنون بهذه المقولة؟!
(بزمننا طبعاً لا) ولكن ببعضهم يكون الموت بوجه آخر.
ما الذي فعله الحب بالكونتيسة صوفيا تولستايا؟
عشقت زوجها لحد الجنون،عشق صامت ويقتل من الداخل يفتت ما بقي من الحياة و الرغبة والأمل.و وقع ذلك العشق بداخل روح رقيقة كالماء روح شديدة الانفعال، حارة العاطفة مريضة بالكبرياء، يكون وقع مهلك .
حب على مدى 48 عام،لا يكل و لا يمل.لا بالحياة و لا حتى بالموت.
بالسنوات الأولى من زواجهم 1862-1866
كدر العشق لا يزول ،كل ذلك يعود للبرود المبالغ بأمره من قبل الكونت ليف نيقولافيتش تولستوي.تزوجت صوفيا ليف وهي بعمر الثامنة عشر.وقتها كانت على ثقة تامة بأن هذا الحبيب هو إنسان مشاعرها وأفكارها وكل تصوراتها تنبثق منه و تعود إليه ،كانت تنظر إليه كإنسان كامل ونقي وسيحبها وحدها طوال الحياة.وأنه بالمقابل سيظل تحت بصرها وسمعها و ستعرف كل صغيرة من مشاعره و أفكاره.https://drive.google.com/uc?export=view&id=1nXZj0cBNpxZmfixkwNUKnUPQFrMxyTEK

ولكن الصاعقة وقعت في 7 أكتوبر 1862 وظلت تحملها بداخلها حتى بأكثر أيامها صفاء ومحبة.حملته لما يقارب نصف قرن عاشته معه .
حيث قال لها أنه لا يصدق حبها له.
صوفيا بيومياتها كانت تكتب عندما تشعر بالضيق،حدث ذلك قبل زواجها وظنت أنها لن تحتاج العودة للكتابة بعد ارتباطها بتولستوي.و يا للأسئ ظلت تكتب بشكل جنوني طوال تلك السنوات،وأي عذاب يوازي جنون محب عاجزو يرى خلاصه و لا يستطيع التحرك.كل ذلك ينحسر أمام وميض أمل من المحبوب،أمام ابتسامة أو نظرة حانية أمام عناق أو كلمة صادقة.(هنا يكمن سر الزمن بهذا الوميض الذي يغلبنا و يسرقنا دون وعي) وتمضي الحياة ويستمر العذاب.
كتبت باستمرارعن كل شيء،والأيام الهادئة من الألم و الهواجس تختصرها بسطر أو اثنين.
الهواجس تجسدت بماضي زوجها،الذي سلمها إياه بيديه كاعترافه أمام الرب.يومياته قبل زواجهما تتضمن كل أخطاءه وأفعاله من سكر و عربدة،رذيلة و لعب قمار.
آنذاك صوفيا اعتبرت زوجها هو دفتر يومياتها ولم تخفي عنه شيء ،يومياتها التي اقترنت بطفولة وأحلام شابة رقيقة ،كما ذكرت في 8 أكتوبر بعامهما الأول.
وقد اعتبرت أنها منحته طفولتها باعتبارها كل ما تملك وأفضل ما حصل لها هو حبه،الذي كانت تخاف أن يكون أمر سيء ورذيل! وظلت تحسبه ذنب تحاول إخماده.
و لكن زوجها لم يكن بشخصية عادية،الخفة مطلوبة لمن هم بمثل شخصه..
بعد ولادة الأبناء تنشغل بالعناية بهم ويأخذ ذلك جُلّ وقتها فما إن تبدأ فطام أحدهم ،حتى تحمل بالآخرخلال فترة قصيرة.ورغم ذلك هواجسها اتجاه برودة زوجها في ازدياد.ويكبر هاجسها في اتكاله الدائم عليها في تعليم الأبناء و مراقبتهم وخلوته دونهم حتى بأيام مرضهم..وتستمر هي في معاتبته ومطالبتها بالاهتمام،ويتجه الحال للشجاروالصلح المتواصل، وكل ذلك لا يبرد حبها اتجاهه بل على العكس.
كتبت في 31 يوليو 1868:
"أنا أكتب يومياتي دائما حين نتشاجر.والآن تمر أيام الشجار والخصام،ويحدث الشجار لأسباب دقيقة ونابعة من أعماق الروح،لكن لو لم نحب أحدنا الآخر ما كنا نتشاجر،قريبا ستحل الذكرى السنوية السادسة لزواجنا.بينما أنا أحبه أكثر فأكثر.وغالباً مايقول أن هذا ليس حباً،وأننا اعتدنا على الحياة سوية بحيث لا يستطيع أحدنا فراق الآخر.لكنني أبقى في حالة اضطراب ولهفة وغيرة كالسابق،وأحبه بروح شاعرية،وأحيانا يثير هدوءه غضبي"
ألم نقرأ شيء مشابه لهذه المشاعر في "السعادة الزوجية"..عجيب؟!!(علمًا بأن تولستوي كتب الرواية قبل زواجه بأعوام)

وحتى بتحسرها على فوات التسلية والضجة والعلاقات التي اعتادتها بموسكو،وتعلقها الشديد بزوجها ورغبتها بالتضحية لأجله..ومن ثم تفضيلها للحياة الهادئة والطبيعة في ياسنايا و اهتمامها بتعليم الأبناء وملاحقة نتائج أدائهم بعد إرسالهم لموسكو ..شيء مماثل لنتاشا بالحرب والسلم.و للسعادة الزوجية أكثر.
بالإضافة لذلك فقد كانت تكتب سيرة حياة تولستوي من أجل الطبعة الجديدة للمكتبة الروسية وهي تتضمن مقتطفات من مؤلفاته اختارها ستراخوف،وقد ذكرت مدى صعوبة كتابتها مع ضجة الأطفال ورضاعة الصغير منهم،واعتمدت سيرة حياة ليرمنتوف وبوشكين وغوغول كنموذج لكتابة السير،وقد ظلت تطالع الكثير من الكتب،والشعر خاصة.وظلت على تواصل مع جديد الترجمات الإنجليزية لمؤلفات تولستوي.وفي أثناء ذلك كانت تقوم بواجباتها اليومية بمتابعة الصغار وصحتهم فقد كانوا وقتها بحالة اضطراب مستمر وذلك يعود لجو المكان الشديد البرودة والمعتدل الدفء طوال العام.وصحة تولستوي كذلك و اهتمت بشؤون البيت وبأصغر التفاصيل كالتطريزوتفصيل الملابس ,وتعليم الأبناء الموسيقى واللغات، و مشاركة العائلة بالعزف والمطالعة كل مساء .(كانت عادة أن يختار أحدهم كتاب ويقرؤه بحضور الجميع.) وتدون حتى ضحكات الصغار وشجارهم ،وتراقب ليو قراءاته خروجه ونومه ومزاجه.
23 أكتوبر 1878:
"قال ليوفوتشكا اليوم أنه طالع الكثير من المواد التاريخية لحد الإشباع والآن يروح عن نفسه بمطالعة مارتن تشزلويت لديكنز.وأنا أعلم بأنه حين يتحول ليوفوتشكا إلى مطالعة الروايات الإنجليزية فمعنى ذلك أنه سيبدأ بالكتابة"






وفي اليوم التالي ذكرت أنه خرج للصيد ولم يقتنص شيءوقد كان نزق وخامل.وقال:
"صونيا إذا ما كتبت شيئاً فإنه سيكون بشكل يقرأه الأطفال حتى آخر كلمة"

واظبت على أعمالها اليومية واستمرت بتتبعها لحالة ليو مع الكتابة.ما بين الإحباط و الحماسة. دونت في السادس من نوفمبر:
"ذهب ليوفوتشكا إلى الصيد وجلب أرنبين،يشعر بالضجر لكونه لا يستطيع الكتابة،في المساء قرأ domby and son  لديكنز.وفجأة قال لي:
"آه، أية فكرة طرأت على بالي!".فسألته عما هي،لكنه لم يرغب في القول ماهي،ومن ثم قال: "أنا مشغول بالعجوز،ما هي هيئتها،وما شكل جسدها،وبم تفكر،ولكن وجب أن أكسبها الشيء الرئيس وهو الشعور.والشعور هو أن زوجها الشيخ جيراسيموفيتش يجلس ببراءة ،بلا أي ذنب في السجن،وقد حلق نصف شعر رأسه،وهذا الشعور لا يفارقها في أية لحظة"
و في 16 نوفمبر:
قال ليوفوتشكا "إن جميع الأفكار والشخصيات والأحداث كلها موجودة في رأسي" وذكرت أن صحته غير جيدة لذلك لا يستطيع الكتابة. وتمضي السنوات ما بين موسكو وياسنايا بوليانا و تربية الأبناء والتحاق سريوجا بالجامعة وتانيا بمدرسة الرسم وايليا بالثانوية،ومتابعة ليو..وتعاسته من حياة المدن والترف والعطالة وعودته ليسنايا للعمل والاستجمام.

وفي 26 أغسطس لعام 1882،أي بعد 20 عام من الزواج ،يصرح تولستوي برغبته بترك العائلة.وكل ذلك يعود لشجارهما بسبب أمور تافهة -مثلما قالت-عدم رعايته للأطفال وغيره.ولكن الغيظ كله من بروده اتجاهها واتجاه الأطفال ومداومته على القراءة ودراسة التعاليم المسيحية وقد صرحت بغيرتها منه.ذلك لأنها اعتادت العلم والمطالعة وبعد أعوام طويلة من المسؤولية ورعاية العائلة وافتقادها الدائم لتلك الحياة كان ذلك الشعور ينغص يومها و يظلم عينيها.والغريب أنها تطالع بالأدب والفلسفة والأديان والفن و تعزف وتتنزه باستمرار،بالإضافة لدراستها الموسيقى بالأعوام الأخيرة.وذلك بعد لقاءها بصديق العائلة الموسيقي سيرجي ايفانوفتش،الصديق الذي سبب شجارات مستمرة بينهما.



لم يمر عام أو اثنين خال من التذمر،ولنفس الأمر رغبتها بالتخلي عن كل شيء.
25 اكتوبر 1886:
" لقد ألقيت علي أعباء ومسؤولية الأطفال،والشؤون المنزلية وجميع القضايا المالية والتربية وتنظيم كافة أمورالبيت وجميع الشؤون المادية،التي يتمتعون بها أكثرمني،وهم يرتدون مسوح أهل الخير"
"إن هذه المتطلبات الادارية التي لا معرفة لي بها تصيبني بالحيرة والغضب"
"كم وددت وأود في أحيان كثيرة أن أتخلى عن كل شيء،وأترك الحياة بهذه الصورة أو تلك.كم تعبت من الحياة والكفاح والمعاناة"
وبنفس اليوم دونت بداية الخلاف العقائدي بينهما.وقد كانت تمتدح كل كتاباته و إن خالفته فيها.والرغبة في استنساخ كل أعماله لا توازيها أي رغبة أخرى.
يكبر الأبناء و تكبر همومهم،وحتى بزواجهم و اتجاه أعمالهم تظل مهمومة.والعناية بالصغار منهم وبتعليمهم أكثر هماً.و حبها لليوفتشكا يذوب ويشتعل.
1887 تتجلى عقيدة تولستوي،بكتاباته وحياته،فأصبح نباتيا بالأسبوع الأول لشهر مارس.صوفيا تستنسخ مقالته "حول الحياة والموت"  6 مارس :
"ثمة شيء مستحيل وغير عادل بالنسبة لي- فهو يعني التخلي عن الحياة الشخصية من أجل محبة العالم كله- وأنا أعتقد بأن هناك واجبات لا ريب فيها فرضها الرب،ولا يحق لأحد التخلي عنها ،وهي لا تشكل عقبة أمام حياة الروح،بل حتى تشكل مساعدة لها"
وفي التاسع من الشهر صرح ليو بحوار مع أحدهم بحضورها،عن نظرته حول شر المال والثراء،وتلميحه برغبتها بالحفاظ عليه لأجل الأطفال..حاولت تجاهل حديثه حتى انفجرت قائلة:
"أنا أبيع 12 جزءا بمبلغ 8 روبلات،بينما أنت بعت الحرب و السلام بمبلغ 10 روبلات" وأكملت بأنه غضب وصمت..و أخذت تشكو من تأثير الأصدقاء المسيحيون الجدد المتواجدون حوله ،و تعيب عليهم اتكالهم على الآخرين في قضاء حوائجهم،وتركهم لعائلاتهم و عيشهم على حساب الغير. وبأنهم السبب في ابتعاد زوجها و تغيره،و بأنهم مزيفون، قيدوه بأغلال أثرت في روحه.وعلى رأسهم تشيرتكوف الذي يعيش بالخارج..وتألمه الذي يكتبه برسائله مع تولستوي لأنه يفتقد السعادة مع زوجته بسبب التعامل الروحي المفقود بينهما ،ودونت بضرورة وضع حد للعلاقة مع تشيرتكوف.لأنه يريد تمزيق علاقة وثيقة على مدى 25 عام مع زوجها،وبأنهم يمرضونه،ويقتلون روح الإبداع فيه..وأن فعل مثل ذلك هو الشربذاته.ويجب الابتعاد عنه.
18 يونيو بنفس العام قالت:
"ل.ن.كان في حالة كئيبة،فهو أراد أن يورد أفكاره تحريرياً،لكنه لم يستطع تطبيقها في الحياة،وشعر بالوحدة والتعاسة،وطرح أفكاره في رسالة إلى شخص مجهول كما لو كان يكتب اليوميات."
واستمرت بنقدها لمراسلاته و مواقفه مع أشخاص ذوي سمعة سيئة،(غير الشرفاء) وسمت أحدهم: أوزميدوف.
وسألته عن سبب علاقته مع هؤلاء فرد: "إذا ما كان سيئا فانه يحتاجني و يطلب المنفعة مني أكثر من الآخرين"
وبين اللين و العسر تمضي حياتهما،كحياة أي زوجين بطبيعة الحال..وما زالت تكتب يومياتها مابين أحلام الناضجين من أبنائها ومن اختار طريقه بلا تردد و هاهو ابنهما ايليا يتتبع خطى والده بالتأليف(ايليا الذي لا أعلم لماذا تنشر صوره مؤخراًً ،وتنسب أنها لأبيه!) وسريوجا يتعلق بالموسيقى وتانيا المحبوبة اللطيفة مع والديها تراقبهما و تواسيهما و تظل صديقة لكلاهما.وماشا العنيدة تطارد أحلامها وتجازف بكل شيء.تواصل صوفيا القراءة للصغار و تعليمهم اللغات والعزف ،واستقبال الزوار لمنزل الأديب العظيم طوال اليوم ،بالإضافة للمطالعة و الاستنساخ و التنزه و السباحة والاهتمام بشؤون البيت.و صحة ليوفوتشكا .2 يوليو تمارس لأول مرة التصوير الفوتوغرافي بغية التقاط صور للطبيعة و الأسرة كلها.(وستستمر بممارسة التصوير حتى بالسنوات الأخيرة معه)
3 يوليو:
"عزف سريوجا سوناتا كريتسر لبيتهوفن بمصاحبة الكمان (لياسوتا) أية قوة وتعبير فيها عن جميع المشاعر في الدنيا!"
صوفيا بذلك اليوم تستنسخ مقالة (حول الحياة والموت) وتروي أنها في سن الشباب كانت تصبو بكل كيانها لمثل هذه السعادة والخير-الايثار التام والحياة من أجل الآخرين-تصبو لحياة الزهد والتقشف.ولكن القدر منحها الأسرة لذلك فهي تعيش لأجلها،وتعترف بأن هذه ليست تلك الحياة المرجوة،فتتسائل: "فهل سأدرك هذه الفكرة في وقت ما؟" وباستمرار الوفود الذين يعتنقون عقيدة تولستوي تدخل صوفيا بنقاشات مع زوجها و أصدقائه و غالباً كان حديث ثقيل الوطأة بالنسبة لها.
ولكنها تذكر محاسن بعضهم،والحال التي وصل لها حتى اعتنق "العقيدة التولتسوية".وتظل تتثاقل تواجدهم بالحياة العائلية وتعتبر معظمهم غرباء وغير لطيفين.

انقطعت عن التدوين ثلاثة أعوام 1888ـ1890 .فقط كانت تكتفي بسطر واحد عن صحة تولستوي وأدويته.
1890..يزداد الفتور بالعلاقة بينهما ،مع تفرق الأبناء.وتوليها تربية الصغار منهم..وشعورها بالذنب على انعدام التواصل مع ابنتها ماشا.
تبذل جهدها ورغبتها الشديدة،للتعامل معه بعلاقة روحية بالإضافة لقرائتها ليومياته .20 نوفمبر قالت أنه يعرف بالتأكيد قرائتها لليوميات و بأنه تعمد إخفاءها بمكان ما. وبدأ بإعطاء بناته استنساخ كل الأعمال بدلاً من إعطاءها إياها.
تمضي لقضاء الأعمال بموسكو بلا رغبة ،ذلك أنها وقعت فريسة الوحدة من عائلتها و زوجها بالأخص و أصبحت تقارن ما بين حياة معظم الأزواج وحياتيهما.مما زادها كدر وتحسر وغضب دائم.
و القلق مستمر مع تعليم الناشئة من أبناءها، أندريوشا وميشا .كانت تعطي الدروس باللغات والتاريخ والموسيقى،وترى أنها ليست بتلك الكفاءة بسبب غضبها السريع ،وحزنها يزداد لتحملها ذلك بصورة سيئة.
فتعود لها الرغبة الشديدة بالعيش بالقرية،والإبتهاج بالطبيعة والاستجمام..وتود لو يعاملها أحدهم بالشفقة والرحمة:
" تمضي الأيام والأسابيع والأشهر ونحن لا نتبادل كلمة مع أحدنا الآخر"
السادس من ديسمبر:
"إن لوفوتشكا ما زال يبدي اللامبالاة والبرودة حيال كل شيء.لكنني أتحسس ذلك أكثر من الآخرين"





ظلت تستنسخ قليل من يوميات ليو،وتشاغل الضيوف وتعتني بالصغار وخاصة فانتيشكا فهو يأخذ كل وقتها.فانتيشكا الذي فقدته بعد فترة قصيرة(حوالي خمسة أعوام) وسبب لها آلام أصبحت مثل الرؤى لا تغادرها.
استنساخ اليوميات يرجع لها أوجاع قديمة،التي ولدتها قراءتها بتلك الفترة.وهي خطيبة ليو ذعر وغيرة وذهول حيال الفسق الرجالي.
والفتور بينها وبينه يتحول لامتعاض واضح اللهجة.وقد كتبت في الحادي عشر من الشهر عن سبب الوصول لتلك الحالة مابين الأزواج بقولها :
"فكرت أنه لا يمكن أن أحب الانسان الذي يعرفني أكثر من غيره،بكل مواطن الضعف لدي،والذي لا يمكن أن أبدو أمامه من جانب واحد.لهذا السبب يفترق الزوجان في أحيان كثيرة لدى بلوغ سن الشيخوخة،أي عندما يتكشف ويتوضح كل شيء وهذا الوضع ليس في مصلحة هذا الطرف و ذاك"


بعد يومين من كتابة ذلك ،يصدر الحكم على الفلاحين الموجيك بالسجن ستة أسابيع وبدفع غرامة تقدر ب 27 روبلا.و تكتب الحالة التي وقعت فيها بسبب الأذى الذي حكم على هؤلاء البشر باسمها.وهي قضية رفعت عليهم بسبب قطعهم 30 شجرة بأملاكهم التي في تولا. وهنا نلاحظ سبب امتعاض ليو منها .إذ ذكرت قبله بيوم أن ليوفوتشكا أثناء الغداء قال لها أن الفلاحين ينتظرونها بسبب استدعاؤهم من المحكمة.وقد شعرت بأنه يتملكها الرعب من هذه القرارات "يتملكني الرعب ويبدو كما لو أن أحدهم يمسك بخناقي،ولا فكاك منه،إن الأعمال التي فرضت عليّ في ما يتعلق بشؤون الفلاحين،تشبه صليباً كبيراً أرسله لي الرب.و إذا ما كان خلاص الإنسان،وحياته الروحية تكمن في القضاء على حياة آخر قريب منه،فإن ليوفوتشكا قد لقي الخلاص.لكن ألا يعتبر ذلك هلاكنا نحن الاثنين؟"
 يتكدر ليوفوتشكا بسبب صدور الحكم على الفلاحين،وبعد زيارة شرطي لتسجيل محضر، تسأل ليو بماذا يفكر وكيف نتصرف،فرد: "يجب تخويفهم،وبعد ذلك نغفر لهم فعلتهم" ولكن تبين أن القضية جنائية،ولايجوز أن يغفر لهم.اعتراها شعور المذنبة وقد دونت أنها فكرت بالانتحار مثل "أجافيا ميخايلوفنا" بأن تستلقي على القضبان بمكان ما،بينما تولستوي غضب وصمت.
هنا نلاحظ العقدة التي ظلت بينهما حتى آخر حياة تولستوي،وهو اختلاف الفكر والعقيدة وتطبيقها والعيش وفق ما تتضمنه للأبد.
هي ترى بأنه حملها ذلك،بينما ليو ترك لها حرية الاختيار وظل يلمح لها برغبته أن تتبعه،لكنها اعتادت على حياة لا تستطيع تركها وارتبطت بمسؤولية أبناءها وتعليمهم ورعايتهم .فاستمرت بذلك حتى آخر حياتها.
ولم تمر تلك الليلة على خير،لم يستطع كلاهما النوم،نهض تولستوي وأصبح يلهث باختناق،وصار يذرع الصالة،ويلومها على ذلك.أدركت خطأها ولكنها لم تستطع اقناعه بالألم الذي سببته لها تلك الحادثة.وذكرت بأنها فقدت بذرة مركزية بداخلها،لما سببته من ألم دون قصد للفلاحين ولزوجها.
بالوقت الذي كانت ستصدر فيه طبعة جديدة للمؤلفات والجزء 13 المتضمن رواية "سوناتة كريتسر" ،قبله بيومين كانت تستنسخ يوميات زوجها.ووصلت فيه لجملة قال فيها: "لا يوجد حب،توجد حاجة جسدية للاختلاط وحاجة عقلية الى وجود رفيقة حياة"
كتبت تعليقاعلى ذلك: "حقاً،لو أنني قرأت قناعته هذه قبل 29 عاما،لما تزوجته أبداً"


في 17 من ديسمبر1890،كتبت عن قلق ليوفوتشكا بسبب قرائتها لليوميات،وبأنه أراد اتلاف القديمة منها،وبررت ذلك برغبته بأن يبدو أمام الأبناء والجمهور فقط بالهيئة الأبوية. " الآن لديه الغرور والزهو فقط!"
بعد حديث الرقابة عن "سوناتة كريتسر" يبدأ خوفها من منع الرواية.ودار بينهما حوار بهذا الشأن وأكدت له بأن الرقابة لا تستطيع التعرض لها،لأنه يوجد بجانبها أعمال فنية خالصة وحرة ،مثل "الحرب والسلام" وذكرت أن ليوفوتشكا رد باكتئاب إنه تبرأ من تلك المؤلفات،بينما قالت أن الحدة في أعماقه سببها حظر "سوناتة كريتسر".
وفي أثناء تصحيح مسودة الرواية كتبت تعليقا لم أستطع تجاوزه:
"ورد في خاطري أن المرأة تعشق في شبابها بقلبها مباشرة،وتهب نفسها إلى الرجل المحبوب بكل رضى،لأنها ترى أن هذا يجلب له المتعة،أما المرأة في سنوات النضج فإنها تدرك على حين غرة،لدى التطلع للوراء،أن الرجل يحبها دائماً فقط عندما يحتاج إليها،وفجأة تتحول اللهجة الحانية إلى لهجة تتسم بالحزم والصرامة أو بالنفور,فوراً بعد إرضاء رغبته"
 أليس هذا ما يحدث حقاً؟
المهم أنها عارضت ما يرد ذكره في "سوناتة كريتسر" عن شهوة النساء بسن الشباب،بقولها أن المرأة الشابة تفتقربتلك الأعوام للشهوة الجنسية.بالأخص الحامل والمرضعة."فإنها امرأة لمرة واحدة كل عامين فقط! ويستيقظ الشبق في سن 30 عام"

يستمر تذمرها من برودة زوجها ،اتجاه تعليم الأبناء ولكنها تسجل الأوقات التي يتسلى فيها معهم بكل تفاصيلها. ظل ليوفوتشكا وهي على اطلاع دائم عن ما يكتب عنه و يتشاركان هذه الأخبار.في العاشر من فبراير 1890،شاركها مقالة منشورة في open court،يرد فيها بأن ليو يقول شيء و يعيش بأسلوب آخر،وأشاروا بأن زوجته تولت شؤون الضيعة.جاء فيها:
"نحن نعرف موقف الناس عموماً،وبالأخص الروس،من الزوجات.فالزوجات لا يتمتعن بالإرادة الحرة" ذكرت بأن تولستوي انزعج مما كتب،لكن الأمر لا يهمها،لأنها اعتادت سماع مثل هذه الأقوال.



وفي 12 فبراير يزورها هاجس قديم،فتدون الألم الذي وجهه لها في "سوناتة كريتسر" و قد ذكرت ذلك سابقا في تدوينة بعنوان:
ازدواجية تولستوي وعقدة الزواج.
ويعود الحديث عن تطبيق أفكار ليو بالحياة،وقد حضر المحادثة ابنتهم ماشا وأحد إخوتها.حديث غير مؤنس كما ذكرت حول الأوجاع الزوجية و علاقة العائلة.
أعتبر هذا النقاش يشرح فكر ليو وصوفيا والخلاف بينهما. قال ليو:
"تولد لدى المرء عندئذ الفكرة الجديدة كما يولد الطفل مصحوبا بالأوجاع،ويحدث تغير روحي كامل لديه،بينما يوجه إليه اللوم بسبب الوجع،ولايريدون الاعتراف به"
فردت صوفيا:
"أنه بينما يولد لديهم (أي الرجال) الأطفال الروحيون الوهميون،أو الذين يختلقونهم بأنفسهم،يولد لدينا (أي النساء) بأوجاع حقيقية أطفال أحياء،ينبغي ارضاعهم وتربيتهم،وصيانة الممتلكات لهم،وفي الوقت نفسه يجري تحطيم حياتنا الصعبة من أجل مواكبة تلك التغيرات الروحية للأزواج،التي يستحيل اللحاق بها ويمكن الرثاء لها فحسب."

يا لها من امرأة.مثلما قال تورجينيف لتولستوي:
"لقد أحسنت بالزواج من زوجتك"

بعد هذا الحديث تمنت بسرها أن لا تصل بهما الملامة،لتوجيه الطعنات للأماكن المؤلمة القديمة،وأن يستمرا بالعيش بمودة أكثر.

ما أكثر ما حل بهما بعام 1890،بعد الخلاف العقائدي يبدأ معاناة حقوق النشر،ليو يصرح لها بالتنازل عن حقوقه وهي تغتاظ لحرمانها من حق تحتاجه لرعاية الأبناء...وقد حصل بينهما جدال في صباح العاشر من مارس لهذا السبب.و بعد فترة الغداء اعتذرت منه وتصالحا،بذرف الدموع.حدث ذلك بحضور الصغير فانتشكا.وذكرت أنه خاف وردد: ماذا؟ماذا؟
فقالت صوفيا:"ماما أساءت الى بابا،وتصالحا" فصاح الصغير بسرور:"ها!"
بعدها بيومين يصلهم بلاغ منع الرقابة للمجلد الثالث عشر بصورة قطعية.ومن هنا بدأت الرحلة إلى بطرسبورغ للقاء القيصر.و بأثناء تواجدها بموسكو وصلها أن المجلد محظور في بطرسبورغ،بينما حظرت "سوناتة كريتسر"فقط
في موسكو.
بتلك الأيام كانت تتواصل مع العائلة في ياسنايا بالرسائل ،لمعرفة أحوالهم وصحة ليو.وبذات الوقت كانت تشمئز من أفكاره الحيوانية ,التي صرح بها في "سوناتة كريتسر"
"أنا أحبه فقط حين يكون إنساناًعادياً وضعيفاً في العادات وطيب القلب،لا حاجة لأن يكون المرء حيواناً،كما لا حاجة لأن يكون مبشراً بصورة قسرية بالحقائق التي يؤمن بها"

وبأثناء تواجدها بموسكو قسمت الممتلكات بين الأبناء،في تعارض مع الكبار منهم،فقد حاربتهم لحفظ حقوق الصغار.وذكرت انزعاج ليوفوتشكا من هكذا أمور و بأن ذلك ثقيل الوطاة عليها بعشرة أمثال.ولكنها مجبرة لحماية الأطفال الصغار من أبنائهم الكبار.(بعد وفاة فانتشكا أعادت تقسيم الممتلكات بينهم )
بعد ذلك دونت بالتفصيل رحلتها للقاء القيصر بعنوان:
"رحلتي إلى بطرسبورغ" وهي من أهم المواقف التي تحسب لها بالتاريخ ،كحارسة أدب مخلصة للغاية.و أيضاً أم وزوجة جبارة بحفظ الحقوق من بعض الجهات البغيضة.(أعتقد أن القارئ سيعدل جلسته و يصفق لموقفها ومافعلته ص ١٨١)
وحوارها مع القيصر يوضح كم أنها امرأة أرستقراطية ومثقفة..وبارعة باختيار كلماتها.

بالمجلد 13 اعترضت الرقابة على ثلاث عبارات .رغم انتشارها سابقا بمقالة لمقدمة كتاب أليكسييف: "حول شرب الخمر". وقد كتبت ذلك في رسالة للرقابة بموسكو.وإلى فيوكتيستوف في بطرسبورغ.

وبأثناء غيابها عن ياسنايا وصلت رسالة من الوزير بسماح نشر "سوناتة كريتسر" والمقدمة في المؤلفات الكاملة. انتصار شعرت به صوفيا من الأعماق.
وبعد العودة من رحلتها قامت بتصحيح مسودات "سوناتة كريتسر" التي لا تحبها وتولد لها النفور الدائم.
واستمرت حياتهما بيسنايا على منوال المجادلة العقائدية و الأسرية ما بين عسر ولين.وخصام ينتهي بالصلح وذرف الدموع.ويمضي معظم وقتها في المطالعة وشؤون البيت المعتادة، والعناية بصحة ليوفوتشكا المضطربة بسبب تغذيته النباتية.و انهماكه بالحرث في الأرض الجافة كالصخربخفين من القش.فقد حدث أن يخرج مشيا على الأقدام مع بعض أتباعه ،لمسافات تصل 40 فرستا.واستمرت بانتظار عودته بقلق يصل للهوس.
وبأثناء أحد شجاراتهم عن حقوق النشر،كتبت عن نيتها بالانتحار و بمحاولة أقدمت عليها ولكنها تراجعت و عادت للبيت..حدث ذلك لمرات عديدة ولنفس الأسباب .وبنهاية اليوم يصالحها ليو ويطلب رضاها.ولكنها بأحد الأيام وبعد ليلة صعبة انتهت بالصلح.كتبت:
"دعهم يجهزون علي!فقط أن يتم ذلك بأسرع وقت" أي أنها لا تستطيع مهما حاولت وفعلت فهي لا تقدر على تجاوز رغبتها .و دونت بعدها: "تلاحقني تلو المرة سوناتة كريتسر ذاتها.وقلت له اليوم مجدداً إنني لن أعيش معه أكثر كزوجة لن أفعل ذلك.بينما أكد لي أنه يود هذا فقط.لكنني لم أصدقه"
الكاتب يظهر إبداعه من محيطه وقد قرأت ذلك من سير عدة مثل ماركيز في "عشت لأروي" وهذا ما حدث مع العملاق تولستوي.بمعظم أعماله.و الفرق في الفائدة التي يخرج بها الروائي بكل أعماله ،فبعضهم يحاول فهم العالم الخارجي و يخلق تواصل مع داخله،والبعض الآخر يجرده كما هو.و منهم من يظل بدائرة مغلقة رغم وعيه بكل ما يدور بالخارج,ومنهم من يقتل نفسه في أعماله مثلما كان دوستويفسكي.
أما تولستوي فلا شيء يعلو على ذوات الإنسان لديه،الذات و ما ترغب به و ما تصل اليه.

استمرت النزاعات الصامتة لأجل حقوق النشر،باليوم التاسع عشر من سبتمبريتحدث تولستوي عن الرسالة التي كتبها للصحافة في السادس عشر من الشهر، بصدد تخليه عن كامل حقوق النشر لمقالاته التي تتضمنها المجلدان 12،13.تفسر صوفيا فعلته بأنه نوع من الغرور والرغبة بكسب المجد! ..وتكتب:
"لا يستطيع أحد تغيير اعتقادي هذا"
وبأثناء استعداده للسفر مع أخيه وبعض أصحاب الأطيان،بغية فتح مطاعم شعبية للجياع،وذلك بعد نشر مقالة له بعنوان"ل.ن.تولستوي حول الجوع" انتقدت صوفيا تأمله في أن تعطيه النقود لهذا الغرض،بينما هو تخلى عن حقوق النشر ولم  يستفد منها.وقبيل سفره قال لها:
"لاتتصوري،رجاء،بأنني أفعل ذلك من أجل أن يتحدث  الناس عني،إن العيش بهدوء حيال ذلك غير ممكن فحسب"
وقد ارتحل تولستوي بعدها مع  تانيا ثم مع ماشا،لحصر أوضاع القرى الجائعة.ثم قرر البقاء معهما فترة الشتاء كلها بأحد البيوت،لجمع التبرعات لافتتاح المطاعم ،وقد قابلت صوفيا ذلك القرار بالجزع و بقيت بوضع سيء كل ذلك خوفاً على الفتاتين من العزلة و على مرض ليو بسبب معاناته من أوجاع بالمعدة و الأمعاء.ومن جهة أخرى رفض الأبناء مجيئها إليهم بموسكو ،لأنها ستعرقل أدائهم الدراسي.ووقعت فريسة قلق دائم.وهذا الحال معها استمر لسنوات عديدة أي القلق المبالغ بأمره وكأنه مرض لا شفاء منه.وقد قررت في حال تراجع ليو عن التخلي عن حقوقه فانها ستتبرع ب 2000 روبل لاطعام الجياع.
بعد مضي ثلاثة أشهر سكنتها بموسكو مع الصغار،يزورهم ليو وابنتيه ماشا وتانيا ،بين فترة وأخرى.بتلك الأيام تنشر اتهامات حول دعوة تولستوي بمقالة حول الجوع،مرفقة بتعليق يوصف به بالثوري.وقد كتبت برفقة ليو تكذيباً لذلك،ثم سافرت برفقته وماشا لجمع التبرعات للمطاعم الشعبية.

1895..12 يناير تكتب :
"إنني أتذكر دائماً هذا اليوم فهو يوم وفاة ولدي أليوشا.لقد توفي قبل تسعة أعوام مضت"
23 فبراير:
"فاضت روح حبيبي فانتشكا وذهبت إلى بارئها عند الساعة الحادية عشر مساء.رباه،ويلاه!بينما أنا مازلت على قيد  الحياة"

يجدر بالذكر أن نوضح حادثة حصلت قبل موت فانتشكا،بخصوص حقوق نشر الرواية القصيرة "المالك والعامل" وقد ظهرت في إثرها نزاعات قوية بين صوفيا وليو..انتهت بأخذها للرواية.النزاع كان عن اختيارها للجهة التي ستطبع القصة وتنشرها,وصل النزاع لرغبة ليو بترك البيت إلى الأبد ،ولكنه تراجع وكل ذلك يعود لكدر وغيرة -فقد كانت امرأة تدعى جوريفتش، وهي شخصية عابدة لتولستوي،قد اتفقت معه على إعطاءها القصة لطباعتها ونشرها بمجلتها-وجزع من صوفيا ،ومغادرتها للبيت وقد أعادها سريوجا برفقة ماشا بعد وصولها لمحطة كورسكي.


بعد موت فانتشكا انقطعت صوفيا عن اليوميات لعامين.
 (الملحن:سيرجي تانييف،توفي بعمر58)



1897
يأتي لقاء صوفيا بالموسيقي" سيرجي ايفانوفتش تانييف" من ضمن الزوار الذين يفدون لمنزل تولستوي ،وقد قضوا أمسيات عديدة بالعزف لموسيقاه مع ابنها سريوجا ومعها ،بالإضافة لعزفهم موسيقى باخ وبيتهوفن ومندلسون وغيرهم.كان حضور سيرجي متزامناً مع بدء تولستوي بكتابة مقالته الشهيرة عن الفن المعروفة بعنوان" ما الفن". وقد وصل تولستوي لسن يعتزل فيه العائلة والضجة،ولكنه ظل يستقبل الزوار الوافدون لطلبه.ومع بلوغ صونيا لمنتصف العمر كانت ترغب بعلاقة مع صديق هادئ الطبع ذو موهبة وعلاقات بعائلات معروفة بالمجتمع بموسكو، صديق يشاركها الفكر و الموسيقى تحديداً وخاصة مع موت فانتشكا فقد كانت شبيهة بمن فقد الحس بالحياة والمحيط،و لا شيء أخرجها من ذلك سوى الموسيقى والموسيقى فقط بالإضافة لتنزهها بالطبيعة لوحدها معظم الوقت(بأثناء نزهاتها كان يزورها طيف ابنها فانتشكا وقد كتبت الرؤيا بطريقة مؤلمة للغاية)،وبدأت بعد زمن بالانضمام لمعاهد الموسيقى ،أثناء تواجدها مع الأبناء الذين يرتادون المدارس الثانوية بمنزلهم في موسكو.






كل ذلك جعل تولستوي يقع في شرك الغيرة بطريقة جنونية وقد حدثت مواقف مؤلمة لكل العائلة ،من ضمنها رسالة انتحار كتبها ليو و لم تجدها صوفيا إلا بعد عامين وبالصدفة وقعت أثناء جمعها لكتب ليو من أجل أن يستنسخها شاب كلفه ليو بذلك،ولكن تولستوي انتزعها من يدها ومزقها إرباً إرباً! و قد قرأت في ظهر الظرف بأنه قرر الانتحار، لأنها لم تعد تحبه،ولأنها تحب شخص آخر ,وهو لا يستطيع تحمل ذلك.

النزاعات لم تتوقف بسبب علاقتها بسيرجي وزياراته لمنزلهم بموسكو و التقاءه بها في مناسبات عدة من ضمنها حفلات موسيقية وأخرى يكون هو ضيف الشرف فيها.
فأخذ الجميع يغضب منها و يعاتبها بطريقة جارحة من ضمنهم أبناءها سريوجا وماشا،أما تانيا الطيبة تظل تنصحها بود بسبب انفعال والدها الدائم من حضور سيرجي،وقد حدثت زيارة مفاجئة من سيرجي بيسنايا ،لم يعلم بها تولستوي إلا باللحظات الأخيرة ،وكانت ردة فعله بأن انتفض كيانه وقال "أنا لم أعرف بذلك" واستمرت حالة تولستوي الغاضبة بشأن حضور سيرجي، لدرجة خوف صوفيا من إدراك تانييف للوضع.
ولنهاية هذا الحال،يطلب منها ليو قطع علاقتها معه ولكنها ترفض وتتجاهل الجميع.لثقتها بمشاعرها اتجاه زوجها و اتجاه تانييف.واعتبرت غيرة ليو بأنها نوع من التسلط ولأنها وجدت شيء تهتم به غير أدبه وهو الموسيقى.
21 يوليو:
"أنا أعرف بأنني لم أحب و لا يمكن أن أحب أي أحد بقدر أكبر وأشد غير ليف نيقولايفتش.وعندما أراه بغتة في أي مكان بصورة غير متوقعة أشعر بالمسرة دائماً،و أحب كامل قيافته وعينيه وابتسامته وحديثه الذي لا يتضمن أبداً الجفوة(فيما عدا في حالة الغضب،لكن لننس هذا) ورغبته الدائمة في تطوير ذاته."
أليس هذا هو حالنا مع من نحبهم؟ بالتأكيد هو ذات الشعور.
ومن ضمن المواقف والنقاشات الحادة بين الأبناء بسبب علاقة أمهم بسيرجي وموقف أبيهم منه,يقول سريوجا الابن البكر بحضور أمه:
"ماما تعود إلى فترة الطفولة،وسأهديها دمية،وكذلك وليكن طاقماً خزفياً" كانت نكتة جارحة جداً.

بعد يومين كتبت:
"عاتبوني بسبب موقفي من سيرجي ايفانوفتش.فدعهم يوجهون العتاب!إن ما منحني إياه هذا الإنسان هو كنز غني ويفيض بهجة في حياتي.فقد فتح أمامي أبواب الموسيقى التي صرت بعد عزفه فقط أجد المسرة والتهدئة فيها.إنه أيقظني بموسيقاه إلى الحياة،التي انسلت مني كلياً بعد موت فانتشكا.لقد منحني طمأنينة الروح بحضوره الرقيق و البهيج.و الآن بعد أن التقيته أصبحت فجأة أكثر اطمئناناً ومنبسطة الأسارير،دعهم يعتقدون ما يرغبون فيه ،وبأنني عاشقة! كيف ينحدر الجميع عندنا إلى الابتذال! أنا امراة عجوز،وتردد مثل هذه الكلمة والفكرة غير المعقولة"
ولكنها تتجاهل الكل وتواظب على أعمالها المعتادة من العناية بمستقبل الصغار منهم (ساشا،ميشا،أندريوشا) بعد انتهاء المدرسة و توجيههم لاختيارات مهمة لضمان حياتهم،بالإضافة لزواج الكبار منهم وخاصة زواج ماشا بشخصية بائسة و برضوخ تانيا لحب رجل متزوج.و بتأليف ايليا وعلاقته بزوجته و بخمول سريوجا من عدمية حياته.ومن ثم بزواجه و مشاعر البؤس التي تنتقل لزوجته.وتواصل الاستنساخ والشؤون المادية وبالوفود على زوجها و الأهم صحة تولستوي فقد كانت تضع جدول يومي بأكله و أدويته وتحرص على عدم خروجه بالطقس البارد وعلى تدفئته الدائمة.كانت مداومة على ذلك بطريقة  تفصيلية جبارة.
لا يخفى على القارئ أن صوفيا،ساخرة من الدرجة الأولى.ففي أحد أيام أغسطس بنفس السنة،تنتقد كتابات زوجها عن الدور الذي يمارسه الحب (الإثارة الجنسية) في جميع الأعمال الفنية،قائلة بعد ذلك:قالت لي ساشا في الصباح:"إن بابا اليوم منشرح الصدر لحد ما،ولهذا فالجميع مرحون!".لو عرفت أن بابا مرح دائماً بسبب ذاك الحب الذي ينكره.يومها كانت تعمل على استنساخ كتابه "حول الفن".

بأثناء النزهات العائلية و الزيارات من أتباع تولستوي و النقاد و غيرهم من الشخصيات،كان تولستوي يصرح عن رأيه في الفن والعلم.وقد حدثت نقاشات عنيفة تنتهي بعضها بالشجار.

كانت صوفيا بوقت فراغها تعزف على البيانو وباستمرار."عزفت اليوم لحوالي أربع ساعات،ورفعتني الموسيقى فوراً من الأرض،وتحول في أعماقي ما كان كئيباً وهاماً إلى أقل كآبة وأخف وطأة"

وقد بدأت بتأليف روايتها :"أغنية بلا كلمات" المستوحاة من اسم موسيقى لمندلسون.
ومن وقت لآخرمازال الحزن يغزوها لرؤية خيالات أو حاجيات ابنها فانتشكا .
4 سبتمبر 1894:
"آه يا فانتشكا،لقد رأيت اليوم بالصدفة قطعة قماش من سترته المقلمة الزرقاء فبكيت بمرارة،لماذا تركني وحيدة على الأرض،بلا محبة،أنا لا أستطيع أن أحيا بدونه،وغالباً ما أشعر أنه حمل معه روحي،وان جسدي الخاطئ يواصل العيش في الحياة الدنيوية"


ومع ذلك الحياة مستمرة ومجبرة على المواصلة،تنقضي السنوات بالواجبات المعتادة وبالنزاعات بغية قطع علاقتها بسيرجي و بترك تعلم الموسيقى،(ظلت صديقة لسيرجي حتى آخر أيامهم،وكانت تنقده ببعض تصرفاته،وخاصة بآخر أيامه مثل ما تنقد زوجها )و باللحاق بحظر مقالة تولستوي عن الفن وبمشاكل الأبناء والمجتمع وبطغيان الحكومة ومن ثم طرد الكنيسة لتولستوي.وبهذه الضجة تبحث صوفيا عن غاية لنفسها لتستطيع استرداد الحياة فتفكر كثيرا بالتأليف وبالموسيقى،و تمارس التنزه بالطبيعة ومطالعة كتب الأديان والفنون والفلسفة وأهم الآداب العالمية والروسية.وقد كتبت نصوص رائعة عن الطبيعة والموسيقى.نصوص تصل لجمالية الأدب والفلسفة بذات الوقت.
تواصل التدوين بيومياتها عن أهم الشخصيات المهتمة بالفن والأدب من ضمن زوار تولستوي.أهمها ايليا ريبين ،باسترناك،و النحات جينزبورج و الأمير تروبيتسكوي والعازفة لاندوسكا.والروائي تورجينيف والناقد تشيتشيرين والمترجم الانجليزي مود وغيرهم الكثير من الشخصيات الأجنبية و الروسية.



بعد الحوادث المتكررة بسبب علاقتها بالموسيقي تانييف،من ضمنها إلحاح تولستوي على عودتها من موسكو إلى ياسنايا ،وقد كانت تعود مثل الطفلة فور تلقيها رسالة من ليوفوتشكا،ولكن الخصام لم يتوقف وينتهي غالبا بصلح وذرف دموع العجوزين بطريقة شاعرية للغاية،وبأحد الأيام ترحل صوفيا إثر خصام مع زوجها بسبب حقوق نشر مقالة بيد جوريفتش صاحبة مجلة "سيفرني فيستنيك" وتكررت ذاكرة حادثة قصة "السيد والعامل" التي حصلت قبل وفاة فانتشكا بأسبوعين.فقد كادت صوفيا أن تفقد صوابها وعانت الأمرين ولكنها انتصرت ونشرتها بمجلة "بوسريدنيك" وفي آن واحد مع نشر مجلة "سيفرني فيستنيك" .
وها هي الحادثة تتكررمع المقالة فتختار صوفيا الرحيل لمكان بعيد ومن ثم تستقر بدير ترويتسا،وقد حزرت تانيا بوجودها هناك فسافرت لإقناعها بالعودة و أخبرتها أن الأبناء ليوفا وزوجته ينتظرانها وبأن ليف قادم بيوم غد.ولكنها رفضت الرجوع,كانت تصلي حتى لا ترتكب خطيئة الانتحار أو الانتقام بسبب ما تعانيه من آلام.وبمساء اليوم التالي استلمت برقية طويلة ومؤثرة من تولستوي يدعوها للرجوع للبيت.وتوجهت بعد قرائتها فوراً للقطار.
إنها فعلاً عاشقة له.وضعيفة أمامه.مهما كابرت وتسلطت،وقد كان اللقاء بمدخل البيت والدموع تنهمر من ليو.ومن ثم وعدها بعدم نشر المقالة بمجلة "سيفرني فيستنيك" كما وعدته هي بألا تلتقي سيرجي ايفانوفتش عن قصد.ولكنها سيئة الحظ ومسكينة بذات الوقت فقد حدثت لقاءات مع الموسيقي سيرجي بالصدفة بعضها بيسنايا وأكثرها بموسكو وقد كتبت عن تلك المواقف بطريقة تشعر وكأنها مذنبة و الرعب من معرفة تولستوي بذلك كان بكفه لوحده،مواقف أضحكتني بقدر ما أشفقت عليها منها.


السنوات تمضي ما بين الضجة التي أحدثتها شهرة تولستوي والتهديدات التي تصله بسبب موقفه من الكنيسة وبسبب مقالته عن الفن، والرسائل التي تصله والتي يكتبها مثل رسالته لنوبل ورسائله مع تشيرتكوف (دونت صوفيا كل شيء بالتفصيل المهم)  وما بين صحته المضطربة وسفرهم للقرم لحوالي عام(من ٤ سبتمبر ١٩٠١-٢٧يونيو ١٩٠٢) .ذلك أن صحة تولستوي انتكست عام 1900 ووجب نقله لمكان دافئ.عانى تولستوي من اضطراب نبض القلب وقد كان الجميع بالإضافة للأطباء يتناوبون على رعايته والسهر بجانبه مخافة ارتفاع درجة الحرارة وحدوث الانتكاس.وبسبب تغذيته النباتيه كان الوضع سيء على صحته خاصة الأمعاء والمعدة.ظلت حالة تولستوي تتدهور و تصح طوال عامين و كان الحذر شديد من خروجه بالأيام الباردة أو المشي لمسافات طويلة.أو قيامه بأي عمل وحركة تصعب حالته.وقد حدثت مواقف مؤلمة من ليو اتجاه عنايتها به ،فقد كان يرفضها ويعنفها بلهجة منفره.و بتلك الأوقات التي يرفض عنايتها به.تولى بعض الأبناء العناية به،من ضمنهم ابنة أخيه.كان ينزعج للغاية منها،مرة حينما حلقت رأسه ونظفته كان يبدو لها ضعيفاً ونحيلاً كالطفل مطيعاً ووديعاً،ويؤلمها النظر إليه بتلك الحال،أعتقد أنه كان يكره الشفقة منها،وهو المهاب الوقور،قبلها بخمسة أيام صرخ عليها قائلاً: "آخ،كم ضجرت منك!"وذلك لأنها اضطربت بسبب قياس النبض لديه،فقد ارتفع ل ٩٤ نبضة بالدقيقة. -كانوا ببعض الأحيان لا يخبرونه بقياس الحرارة والنبض،ولكنه يطلب القياسات منهم-ولكن هذا النفور لا يدوم..فذكرت أنه بأحد الليالي التي كان يهذي فيها من شدة الحرارة والمرض.قد صرخ منادياً ناتاليا أليكسييفنا  بالخطأ بقوله:"صوفيا أندرييفنا" ومن ثم "صونيا"ومرة أخرى بحوار عن الحياة والسأم ،أمسك يدها ،وتفرس بها بحنان ثم قال: "شكرًا،يا روحي،كل شيء طيب هنا"


كانت صوفيا وكذلك هو يجدون الصفاء بصحبة الأحفاد وبمشاغل العائلة ،وأحوال الأبناء البعيدين من انفصلوا عن ياسنايا واستقروا بعد زواجهم بقرى ومدن .بعد تحسن صحة تولستوي خرج لزيارة مكسيم غوركي مرتين،وتنزه بالنهار لما يزيد عن ساعتين متجاوزاً تعليمات الطبيب بأن لا يتنزه أكثر من ساعة.وصوفيا تستنسخ مقالة حول الدين.١١يناير ..١٩٠٢:"أنهيت استنساخ كتاب حول الدين.النهاية أعجبتني أكثر.إنها فكرة طيبة أن تكون روح الإنسان حرة،إذا ما أنارته المشاعر الدينية-لكنها ليست فكرة جديدة"
وبالنسبة لرأيها عن الكنيسة ورجالها،فقد كانت تحتفظ بعقيدتها وتداوم على الصلواة و غيرها.ولكنها تنتقد أفعالهم المتناقضة :"إن سادة الكنيسة قد أخرجوا،أو ساعدوا في خروج ل.ن.من الكنيسة،والآن يرسلون آخرين لكي أعيده إليها،أية حماقة!"

بالإضافة لنسخ الأعمال،كانت تستنسخ رسائله من ضمنها رسالته للقيصر للنظر بعائلات الدوخوبريين.قبل مرض تولستوي قرر إعطاء عوائد نشر رواية البعث لمساعدة 2000 من الدوخوبريين وقد نجح بترحيلهم إلى كندا برفقة ابنه سريوجا.نذكر حادثة حصلت قبل ذلك مع ابنها سريوجا ،بشأن موقفها من حقوق النشرو تتبعها لمن يستحق التفاوض معه اثناء تواجدها بموسكو.قال سريوجا:
"تخلي عن حقوق نشرأعمال بابا" فردت عليه:"لماذا؟ لكي أقدمها هبة إلى الناشرين الأثرياء؟هذا كذب"





بيوم 17 من يناير 1902 كان تشيخوف من بين الزوار الوافدون لمنزل الأديب ليف بعد تحسن صحته ..وتولستوي يقضي معظم وقته بلعب الشطرنج وبممارسة لعبة "الفينت" مع الأبناء بتكرار دائم.وبالمساء تستمر الرعاية الصحية من قبل صوفيا وابنته ساشا.


https://drive.google.com/uc?export=view&id=1gzJ9X7c4w8Bu1EXNAGganIBizaiRIhKu
والخوف لا يزول.بعدها بأيام تم تشخيص إصابته بالتهاب بالرئة اليسرى وبوقت لاحق انتشر للرئة اليمنى.ووضع القلب سيء طوال الوقت.وبأثناء مرضه كان يتحاور مع صونيا بطريقة مؤلمة ومجمل حديثه كان عن الموت.وبالأيام التي تتحسن حالته يملي على ماشا للكتابة بيومياته. وهي استمرت باستنساخ الأعمال رغم ضعف نظرها.




وليو يكتب بهمة رواية "الحاج مراد" تخيلت أنه بأحد نزهاته تلك شاهد النبتة التي شبهها بالحاج مراد .
(صوفيا انقطعت عن الكتابة باليوميات 1905-1908)
في الستة الأشهر الأخيرة قبل وفاة تولستوي وبنهاية يومياتها،وصلت العائلة لوضع محزن وكئيب يكاد يصل للجنون بسبب صوفيا ،وكل ذلك يعود لصديق تولستوي القديم و الذي عاد لروسيا بعد أن كان يعيش بالخارج: تشيرتكوف.





           فلاديمير تشيرتكوف مع تولستوي ,1905

أوصلتني قراءة تلك اليوميات التي تسجلها حقداً على تشيرتكوف لدرجة الضجر، فقد كانت بأفكارها وأفعالها مجنونة وحمقاء! أصبحت غيورة ومتسلطة بشكل مقرف..كانت أفعال تشيرتكوف وتجاهل تولستوي لغضبها والزيارة اليومية ،والأحاديث السرية من خلفها تزيد الوضع سوء فأسوأ.وموقف ابنتها ساشا التي كانت تحتفظ بيوميات أبيها و تواجه تصرفات أمها بكل حزم وشدة،تسبب لها كدر وجزع مستمر.ولكن هي من أوصلت نفسها لتلك الحال.وبكل مرة خصام فهرب و التفكير بالانتحار.وقد كانت كل النقاشات بينها وتولستوي تدور حول امتلاك تشيرتكوف لليوميات و سيطرته الدائمة على تولستوي.ورغم تبني تشيرتكوف للدعوة التولستوية إلا أنه لا يطبق تلك العقيدة بحياته،(كانت له ممتلكات وثروة تقدر بالملايين) وأنه مجرد مخادع ومزيف و متسلط وتولستوي لا يقدر عليه ويخاف انزعاجه!
كان تولستوي يمتثل لرأي تشيرتكوف بشأن النشر،كان ينصح بعدم نشر أي عمل قبل أن يصدر باللغة الإنجليزية.

ومرة أخرى تتكرر رغبتها بامتلاك يوميات تولستوي،وتستمر النزاعات حتى تمتلكها وتضعها بأمانات أحد البنوك.الذي كان يزعج صوفيا من اليوميات ،هو حديث زوجها عنها و ما يصفها به بيومياته،(1895 كتبت رسالة لزوجها ترجوه بأن يحذف ما يصفها فيه بالرعونة ،وبأنه يصلي للرب حتى يستطيع الاستمرار معها،مخافة أن يذكراسمها للأجيال القادمة بالزوجة الطائشة والحاقدة التي أوصلته للتعاسة) ذلك أنهم كانوا يقرأون يوميات بعضهم البعض. وبالأيام الأخيرة صار تولستوي يخفي يومياته عنها،مما جعلها أكثر جنون.
تشيرتكوف كان بالفعل متسلط على العائلة ويعتبر عابد لتولستوي بطريقة فظة، وقد حصلت مشاجرات له مع ليوفا ابن تولستوي.وبأحد الأيام أضاع ساعة له وأخبر تولستوي أنه فقدها أثناء تواجده لديهم،وبوقت التنزه معه والتقاطه صور لليو،فوعده الشيخ المسكين بالبحث عنها بعد الغداء برفقة الصبيان.ولم يجدها.ومن ثم خرج في الصباح الباكر للبحث عن ساعة تشيرتكوف!وقد عثر عليها.
هذه الحادثة كادت تصيب صوفيا بالموت.استمرت نوبات الغضب والجنون بينها وبين تشيرتكوف والتي ذهب ضحيتها تولستوي.(كانت تغار و تلمح لعلاقة مريبة بينهما!) فقد كان لا يرغب بانزعاج أحدهم،و مما زاد الموقف صعوبة حديث بينها وبين تشيرتكوف.الحديث كان قاسي من جهته واتهمها بأنها تتسبب بقتل زوجها.بالإضافة لتهديد آخر بأن يلطخ سمعتها بالأوحال ..قال :
"أنا لا أفهم هذه المرأة التي تمارس الحياة كلها في اغتيال زوجها"
ما أكثر الأيام التي رددت صوفيا هذه العبارة بحنق شديد وغيرة وهوس ،وصل لتعدادها للأشخاص من معارفهم -من ضمنهم المترجم الانجليزي مود-ومن العائلة التي تكره (الشيطان) فقد كان لقب تشيرتكوف مأخوذ من هذه الكلمة.
ولم تتوقف عن الحديث بحقد عما يفعله تشيرتكوف معهم,ولكنها تجد ساشا الشرسه بكل موقف أمامها.فقد كانت تحضر بعض اجتماعات تشيرتكوف بأبيها وكانت تستنسخ اليوميات.استمر الشجار بينها وتولستوي بشكل مزعج للغاية بسبب طلبها لعدم زيارة تشيرتكوف لهم، وقد كانت تكتب معظم تلك النقاشات الحادة.فها هو تولستوي يصرخ غاضباً بكل مرة ويصرح برغبته بالحرية وبالرحيل.
16 أكتوبر..1910:
"أنا أريد الحرية،وأنا لا أخضع إلى نزواتك،لا أريد في سن 82 أن أكون صبياً وخرقة تحت حذاء زوجتي"
ولكنها لم تتوقف حتى توقف هو عن لقاء تشيرتكوف،و ما هي سوى أيام قليلة فتتدهور صحة تولستوي ثم يصح ويكمل أيامه الأخيرة بالمطالعة وقراءة الصحف وما يكتب عنه،ولعب الشطرنج والفينت، ولكنه كان كئيب حسب ما وصفته.
وهاهو اليوم المنكوب الذي يغادر فيه المنزل في 28 من أكتوبر وبالخامسة فجراً خرج خفية مع د.ب.ماكوفيتسكي.وترك لها رسالة ،بعد قرائتها ألقت بنفسها بالبركة بنية الانتحار ولكن لحقتها ساشا وبولجاكوف..و انتشلوها قبل فوات الأوان.و بعد ثلاثة أيام تتلقى برقية جاء فيها خبر إصابة ليف نيقولافيتش بالمرض في محطة استابوفو ،وبأن درجة حرارته وصلت للأربعين. سافرت بالقطار السريع مع ابنها أندريه وابنتها تانيا،ولكنهم منعوها من رؤيته.و في السابع من نوفمبر ،بالسادسة صباحاً توفي الروائي العظيم ،ووري الثرى 9 نوفمبر في ياسنايا بوليانا.(حقيقة أشفقت عليها لمنعها من رؤيته،وهي التي عاشت طوال تلك السنوات مع الخوف من إصابته بأي أذى ومع خوف فقده الدائم)

https://drive.google.com/uc?export=view&id=1K7MQKTZXzMi1iBO-QBZry-IHqPZgeadF

وهنا تنتهي يوميات صوفيا أندرييفينا.يوميات لنصف قرن 1862-1910.

أعتبرها سيرة لما تمنيت معرفته دائما،وهي الحياة اليومية للروائي والإنسان الأديب الطيب والمعذب والمفضل لديّ.سيرة غزيرة للغاية بتفاصيل كاملة لأيامه ولياليه،متى يصحو و كيف ومتى يكتب و ما يأكل و ما يفعله وما يشعر به ،وكيف يقضي حزنه ويخفي اضطرابه،وكيف هي نظرته وابتسامته،طرافته وغضبه،وكيف يذرف الدموع كالطفل الوديع.ولا يهمني ما إذا كانت صوفيا بالغت باتهامها له .

https://drive.google.com/uc?export=view&id=1cAnK2WJf0kNjdSsMGbIUIlBWDPqhM65E

1895:
"إنني أخشى حين أدون يومياتي أن أجد ميلا لادانة ليف نيقولايفتش"
فيكفينا أن نقرأ اعتراف تولستوي حتى نعلم ما هو العذاب المضني الذي عاش معه أكثر من عائلته وأكثر من أي شيء آخر.





و لا ننسى أنها عاشقة معذبة،و ربما ثقافتها العالية كانت سبب عذابها.فما أكثر الحوارات مع زوجها التي وددت ذكرها هنا ولم يساعدني الوقت.و ما أكثر إعجابها بمؤلفاته ومؤلفات من سبقوه ببداية القرن التاسع عشر.

3 يناير ..1891:
"أنا لا أستطيع أن أحب مقالاته الدينية -الفلسفية،لكنني سأحبه ككاتب مبدع دائما"

18 يونيو..1887: "يلومني الكثيرون لكوني لا أدون يومياتي وملاحظاتي لأن القدر جعلني أتصادم مع إنسان شهيروبارز مثل ليف نيقولايفتش"

أتذكر مقولة الفيلسوف الفرنسي Charles Richet لها:" أنا أرثي لك أيتها السيدة لأنه حتى لا يتوفر لديك الوقت لكي تكوني سعيدة"


 وما أكثر ما شعرت بينهما بالعشق و النفور..كما لم يصبر عليه أحد من قبل.
https://drive.google.com/uc?export=view&id=13gUDhx2VRrGBikYgwQwKMfuNrkSaN-0D





كل الشكر لدار المدى،وشكر خاص للمترجم القدير: عبدالله حبه









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رفاهية القلق

قد تصبح الحياة عادية ولا شيء فيها يجعلنا نستيقظ بالغد، ما الذي يعزز هذا الشعور بالواقع؟ مرت ثلاثة أشهر على هذا الحال،أقول لنفسي كل يوم هل هذا الشعور عادي، أهو ملل أم اكتفاء أم هو اليأس! في كل مرة أريد إنجاز مهمة بسيطة من جدول العمل أجدني أنهض من على الكرسي وأذهب لأبحث عن أي شيء يجعلني لا أعود للمكتب، على الرغم من إدراكي أنني سبق وعشت مثل هذه المشاعر من قبل و لا سيما في بدايات الخطط طويلة المدى ،إلا أن الأمر هذه المرة مختلف. فقد كان يلازمني شعور ثقيل جدًا ، جلد للذات وخوف من فوات الفرص وتعب التأجيل، كنت أؤنب نفسي كثيرًا ،كان شعورًا مرهقًا بالفعل ولكنه كان يجبرني على البدء بالعمل وإنجاز المهام. هذه المرة لا أجد هذا الشعور بداخلي، أحاول أن أجد شيء ما يجعلني أعود لتلك الحساسية المفرطة اتجاه الزمن وسيلانه،والخوف من الاعتياد على حياة العبث،أحاول ولم أجده. ألاحظ مؤخرًا أنني صرت أشبه الكثير من النساء من حولي، كلما كنت بينهن أتذكر السنوات التي قضيتها من عمري وأنا أمقت حياتهن وهذا النمط الممل والكئيب من العيش،كنت أشعر أنها حياة خالية من حب الذات، حياة مليئة بالحسرة والندم على فوات الفرص.ولكن...

أبريل الميلاد: ولادة جديدة

منذ عام ٢٠٢٠ بكل شهر أبريل اعتدت تدوين ذاكرة سريعة أعود بها للوراء. ذاكرة أقتفي بها أثر تجارب جعلتني أفهم ذاتي وتصوري لما حولي، تجارب عشتها وتجاوزتها منذ الثاني من أبريل السابق وحتى الثاني من أبريل الحالي.  العام الماضي كان عامًا حافلاً اجتماعيًا ومهنيًا، واجهت فيه ما لم أتوقع أنني قادرة على مواجهته، وإن كانت النهايات مغايرة عما بذلته يكفي أنني تعلمت أن أصبح أكثر هدوءًا وأن أرفق بنفسي قبل كل شيء.   عمومًا هذه المرة لا أريد أن أتذكر إلا أمرًا واحدًا فقط، الأمر الأكثر أهميةً وثباتًا في ذاكرتي. حدث في سبتمبر الماضي وها هو اقترب تمامه، أمرٌ كنت أنتظره منذ عامين، انتظرته بين رجاء وخوف. هو موعد لقاء مع حلم يكبر بداخلي، لقائي مع طفلي الأول .أرجو أن تمضي أيامه المتبقية بكل خير وطمأنينة.  ما بين الخوف والفرح:  "الإنجاب" لطالما كنت أخاف هذا الأمر وقد كان سببًا في تجنبي الارتباط لسنوات. أن أصبح أُمّا لأحدهم وأن أجلبه لهذه الحياة ليس بالأمر السهل أبدًا، بكل مرة أفكر بذلك أتذكر مقولة "فرانز كافكا" لا يحضرني النص ولكنه عنى أن التربية أصعب مهمة تواجه الإنسان وقلما ...

ابريل الميلاد: الزمن ينتصر

قبل أن أكتب هذه التدوينة قرأت تدوينة ابريل الماضي،حتى أتذكر مالذي حصل بالأشهر الماضية ،حقيقة لا أدري كيف مرّت هذه السنة . منذ ابريل الماضي وحياتي تمضي بلا أية هوادة . لقد كان عامًا مزدهرًا جدًا بالنسبة لي ،مزدهرًا بالحب والرضا والطمأنينة،بالسكينة والحمدلله وإن كانت تزورني حالات قلق لأمرٍ ما زلتُ أجتهد في نيله ولكني أتلاشاه بأيام العبث والخفة المطلقة . حينما اقترب يوم ميلادي أدركت أن الزمن يمضي ولستُ بقادرة على عقد هدنةٍ معه . كما اعتدت بأعوامي الماضية مرةً قلتُ لنفسي هي محسوبة إلى أجل مسمى أعني الهدنة التي يغتالني فيها الزمن وأصبح بين الناس كائن ضبابي . كنت بذلك الوقت أقضي أيامها بجلد الذات ومراتٍ بالسكينة والرضا التام وبعضها بالعبث واللامبالاة . أمضيها بعزلة غير مرئية قد يصل بي الحال إلى هذيان مضنٍ ولا أطيق حالتي تلك،ولكني بالنهاية أخرج منها بنفسٍ خالصة من القلق والريبة . اليوم أشعر بأنني استسلمتُ لهاجس الزمن الذي رأيته كائنًا حيّ بالما...