التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مدن الملح ..ملحمة لا تغيب


"مدن الملح"

"-و يروح يوم،و يجي الثاني،يا أبو عزيّز،و تنبني المدينة الجديدة،و كأنه ناقصنا مدن.
-و تقوم مدن الملح،ترتفع و تكبر،لكن إذا جاها الماء.فشّ و لا كأنها كانت!"

 حوار بين شخصيتين من العامة في ختام خماسية عبدالرحمن منيف..بكتاب "بادية الظلمات"
كادت الرواية تذهب بي إلى ما فعلته "الحرب و السلم" ،إلا أن الاختلاف الذي ينفرد به الرواة الروس عن غيرهم .هو دقة رسم الصورة و اللحظة.و الأهم صورة الشخصية و محيطها خارج و داخل.

مدن الملح مرجع تاريخي اجتماعي حقيقي للعرب،و الجزيرة العربية تحديداً ،عن العالم الصغير المنسي.الذي مرّ بفترة خطيرة نقلته إلى فوضى يتعارك معها حتى اليوم.
كما قال منيف :
أقدّرُ أن الرواية يمكن أن تضيف جوانب معينة في وضع الشرق الأوسط و مناخه و بالتالي همومه،و مما لا شك فيه أن الحافز الأساس لديّ لكتابة هذه الرواية ،كان الإحساس بأن موضوع النفط بحاجة إلى معالجة ،و إلى معرفة التأثيرات الكبيرة التي حصلت نتيجة وجود هذه الثروة التي لم يُحْسن التعامل معها.

الرواية وقعت في سباق زمني ،يمضي من المنتصف ليصل لحافة النهاية..ثم يعود للبداية!
ما بين هذه الأزمنة تتعثر بدهشة عارمة،أمام ظهور ملامح دولة و حضارة في بنية صحراوية متقشفة.و ذلك في الكتاب الثاني "الأخدود". 

سرد شاعري إنساني واقعي بديع لا يحتمل التوقف.

أما النهاية فكانت بكتابين عن المنفى (المنبت) و جنون السلطة ( بادية الظلمات) الذي تجسد بشخصية الأمير فنر..شخصية لها أثر عظيم يتتبعها القارئ على أمل الخلاص من هذه الفوضى.

الرواية رحلة عبر الزمن ممتعة و حزينة،تعود منها مثقل بذكريات وجوه مليئة بالسخرية،الألم ،الرجاء و الخوف.

الميزة العظيمة التي اختلفت بها هذه الملحمة عن غيرها من كتب التاريخ..هي أثر الطبيعة على الإنسان و أفعاله.
كل مرة تبدأ فصل جديد..يكون حضور المناخ عامل أساسي في تحول الإنسان الصحراوي ،مرة لوحش و أخرى لطفل..و آخرها و أكثرها لمسكين.

و أيضاً لم ينسى أثر المرأة الأخاذ خلف السلاطين و تقلباتهم ..تجلى ذلك في أكثر من شخصية أهمها "الشيخة و الأم زهوة
كذلك النكسة المتكررة مع أصحاب السلاطين في شخصية الطبيب المتفلسف "صبحي المحملجي

أما المال و الدين فهي ورقة منيف الرابحة أو لنقل ميزان الغش الواضح.

شبح الراوي كان يتجسد في "متعب الهذال"

مشاعر شفقة و لعنة و شرور بلايا مضحكة.

لم يعش منيف مجهول الهوية،حتى و لو نبشوا قبره .لأنه ولد و دفن في ذاكرة "الخلود الأدبي الحيّ" ..كلهم فانون و يبقى الأديب الإنسان المناضل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رفاهية القلق

قد تصبح الحياة عادية ولا شيء فيها يجعلنا نستيقظ بالغد، ما الذي يعزز هذا الشعور بالواقع؟ مرت ثلاثة أشهر على هذا الحال،أقول لنفسي كل يوم هل هذا الشعور عادي، أهو ملل أم اكتفاء أم هو اليأس! في كل مرة أريد إنجاز مهمة بسيطة من جدول العمل أجدني أنهض من على الكرسي وأذهب لأبحث عن أي شيء يجعلني لا أعود للمكتب، على الرغم من إدراكي أنني سبق وعشت مثل هذه المشاعر من قبل و لا سيما في بدايات الخطط طويلة المدى ،إلا أن الأمر هذه المرة مختلف. فقد كان يلازمني شعور ثقيل جدًا ، جلد للذات وخوف من فوات الفرص وتعب التأجيل، كنت أؤنب نفسي كثيرًا ،كان شعورًا مرهقًا بالفعل ولكنه كان يجبرني على البدء بالعمل وإنجاز المهام. هذه المرة لا أجد هذا الشعور بداخلي، أحاول أن أجد شيء ما يجعلني أعود لتلك الحساسية المفرطة اتجاه الزمن وسيلانه،والخوف من الاعتياد على حياة العبث،أحاول ولم أجده. ألاحظ مؤخرًا أنني صرت أشبه الكثير من النساء من حولي، كلما كنت بينهن أتذكر السنوات التي قضيتها من عمري وأنا أمقت حياتهن وهذا النمط الممل والكئيب من العيش،كنت أشعر أنها حياة خالية من حب الذات، حياة مليئة بالحسرة والندم على فوات الفرص.ولكن...

أبريل الميلاد: ولادة جديدة

منذ عام ٢٠٢٠ بكل شهر أبريل اعتدت تدوين ذاكرة سريعة أعود بها للوراء. ذاكرة أقتفي بها أثر تجارب جعلتني أفهم ذاتي وتصوري لما حولي، تجارب عشتها وتجاوزتها منذ الثاني من أبريل السابق وحتى الثاني من أبريل الحالي.  العام الماضي كان عامًا حافلاً اجتماعيًا ومهنيًا، واجهت فيه ما لم أتوقع أنني قادرة على مواجهته، وإن كانت النهايات مغايرة عما بذلته يكفي أنني تعلمت أن أصبح أكثر هدوءًا وأن أرفق بنفسي قبل كل شيء.   عمومًا هذه المرة لا أريد أن أتذكر إلا أمرًا واحدًا فقط، الأمر الأكثر أهميةً وثباتًا في ذاكرتي. حدث في سبتمبر الماضي وها هو اقترب تمامه، أمرٌ كنت أنتظره منذ عامين، انتظرته بين رجاء وخوف. هو موعد لقاء مع حلم يكبر بداخلي، لقائي مع طفلي الأول .أرجو أن تمضي أيامه المتبقية بكل خير وطمأنينة.  ما بين الخوف والفرح:  "الإنجاب" لطالما كنت أخاف هذا الأمر وقد كان سببًا في تجنبي الارتباط لسنوات. أن أصبح أُمّا لأحدهم وأن أجلبه لهذه الحياة ليس بالأمر السهل أبدًا، بكل مرة أفكر بذلك أتذكر مقولة "فرانز كافكا" لا يحضرني النص ولكنه عنى أن التربية أصعب مهمة تواجه الإنسان وقلما ...

ابريل الميلاد: الزمن ينتصر

قبل أن أكتب هذه التدوينة قرأت تدوينة ابريل الماضي،حتى أتذكر مالذي حصل بالأشهر الماضية ،حقيقة لا أدري كيف مرّت هذه السنة . منذ ابريل الماضي وحياتي تمضي بلا أية هوادة . لقد كان عامًا مزدهرًا جدًا بالنسبة لي ،مزدهرًا بالحب والرضا والطمأنينة،بالسكينة والحمدلله وإن كانت تزورني حالات قلق لأمرٍ ما زلتُ أجتهد في نيله ولكني أتلاشاه بأيام العبث والخفة المطلقة . حينما اقترب يوم ميلادي أدركت أن الزمن يمضي ولستُ بقادرة على عقد هدنةٍ معه . كما اعتدت بأعوامي الماضية مرةً قلتُ لنفسي هي محسوبة إلى أجل مسمى أعني الهدنة التي يغتالني فيها الزمن وأصبح بين الناس كائن ضبابي . كنت بذلك الوقت أقضي أيامها بجلد الذات ومراتٍ بالسكينة والرضا التام وبعضها بالعبث واللامبالاة . أمضيها بعزلة غير مرئية قد يصل بي الحال إلى هذيان مضنٍ ولا أطيق حالتي تلك،ولكني بالنهاية أخرج منها بنفسٍ خالصة من القلق والريبة . اليوم أشعر بأنني استسلمتُ لهاجس الزمن الذي رأيته كائنًا حيّ بالما...